عندما تصبح الأمور أكثر وضوحاً من قبل وتصبح الأشياء ترى كما ترى الشمس في كبد السماء واضحة، وتتجلى الأمور في وقتها وتعرف قيمة الأشياء في الأوقات السهلة قبل الصعبة، تدرك هنا أن الأمور كانت ربما مخفية عن البعض أو لا يدرك قيمتها هؤلاء الناس إلا مع التجربة، وهنا تتجلى الحقيقة الدامغة أن النعم لا تعرف عند البعض إلا بزوالها، وكم كنت في نعيم وفسحة من أمرك وأنت لا تدرك ذلك الأمر، العجيب إن البعض يتقلب سنوات وسنوات وهو لا يعرف قيمة الشيء الذي يملكه إلا بعد فقدانه فقدان دائم أو مؤقت وهو أهون الأمر على الإنسان أن تفقد الشيء فقداً مؤقت ولكن تخيل لو استمر ذلك الفقدان أيام أو شهور وتخيل لو هي سنوات فماذا عساك فاعلاً ؟
إن كان فقداً لابن أو ابنه أو أب أو أماً أو صحة أو منصب وغيره من حالات الفقد التي لا تعد ولا تحصى، ولكني اليوم أتحدث عن فقداً ربما لم يشعر البعض بقيمته للأسف إلا عندما جربه وذاق مرارته وطعمه، وهنا أقول لذلك الشيء المفقود كم أنت عظيم أيها المعلم والمعلمة.
نعم كثيراً أصبحت البيوت اليوم تعج بالحركة والاستنفار والجهود المبذولة والتحديات الكبيرة وربما حتى الحروب الطاحنة داخل البيوت، كم كان المعلمين والمعلمات يملؤون الحركة التعليمية بكل اقتدار وجدارة واستحقاق، للأسف كان هناك أصوات تهمش دور المعلم وتنقص من حقه وقدره وجهده وعطائه وإخلاصه، حتى أن البعض للأسف يطالب بالخصم من الرواتب العالية لهم وما يقدم لهم من تسهيلات وكأن المعلم ليس جزءًا منهم في العملية التربوية والتنمية والوظائف، ويتناسى البعض أن ما يصل إليه كل إنسان من علمه وعمله كله بسبب الله أولاً ثم المعلم هو من يعلم الطبيب والمهندس وغيرهم، ولكن هنا تأتي حكمة الله في هذه الظروف القاهرة لنعرف قدر الحرية والنعم التي كنا نعيش ونتقلب بها ليلاً ونهارًا، ولم نقدر تلك النعم العظيمة ومنها قيمة المعلم الذي كان يقوم الساعات الطويلة يعلم ويربي ويشرح ويتابع الطلاب، نعم لك أن ترى إن كنت أباً أو أم معاناتك مع الأبناء في تعليمهم والجهد الذي تبذله لكي تعلمهم الحرف الواحد فما بالك بسنوات التعليم كلها، لله دركم أيها المعلمين والمعلمات كم أنتم نعمة تستحق الشكر والإشادة والدعم والمكافأة والمميزات، نعم يستحق المعلم أن يعطى أكثر مما أخذ وأن يقدم له أكثر وأكثر، فهو من يعلم الأجيال تلو الأجيال وهو من يزرع القيم في الأبناء، تكلم الكثير من الكتاب والعلماء وغيرهم عن دور المعلم ويكفي أن استشهد هنا بمقولة مرت عليها سنوات ومازالت تقال للمعلم حينما قال الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله " لو لم أكن ملكاً لكنت معلماً "، وقال الشاعر الكبير أحمد شوقي :
قم للمعلم وفه التبجيلا ...كاد المعلم أن يكون رسولا
والمقولات في ذلك كثيرة ولعل أشهرها عندما قالت رئيسة ألمانيا السيدة ميركل عندما طلب منها الأطباء والمهندسون مساواتهم مع المعلمين فردت بقولها " كيف أساويكم بمن علموكم " .
عندما تعود الحياة بإذن الله تعالى وبعد أن تزول الغمة والوباء عنا وعن العالم علينا أن نكون أكثر تقديراً للمعلم وما يقوم به من جهد وأن نكون عوناً له في تعليم أبنائنا ونساعده لكي يصل بالأجيال إلى ما نطمح إليه من رتب العلم والمعالي وأن نقارع الأمم بما نجنيه من ثمار العلم والمعرفة في الأجيال من تقدم وازدهار واكتشافات واختراعات، وأن نعرف قيمة النعم التي نعيش ونتقلب بها ونحن ربما في غفلة عنها ونحن لا نشعر، وختاماً أقول اللهم ارفع البلاء عن الأمة اللهم احفظنا بحفظك التام وأدم علينا نعمك وأرزقنا شكرها، واجعل ما أصابنا تفكيراً لسيئاتنا واغفر لكل من وافته المنية بهذا الوباء واجعله شهيداً عندك ومغفوراً لهم فأنت أرحم الراحمين .
بقلم الكاتب / خالد بن محمد المشوح
للتواصل مع الكاتب على التويتر @khaled2191
التعليقات 1
1 pings
غير معروف
11/12/2020 في 6:57 م[3] رابط التعليق
آمين يارب العالمين .. تقبل الله دعائكم .
كعادتك استاذنا الفاضل أصبت كبد الحقيقة وتحدثت عن رموز بل شعله تضاء بها الأمم وتبنى وتعز وترتقي بها الدول إلى القمم أن هم اجلو وقدرو وشكرو هذه الفئة(النعمه) العزيزة على المنصفين( المعلمين والمعلمات) ..
لله درك أبا إميره .
(0)
(0)