يرى المراقبون أن ما يحدث من تراجع كبير للجيش التركي في ريفي حماة وإدلب شمال سوريا، بالتزامن مع انفراط عقد تنظيم جماعة الإخوان بمدن الغرب الليبي، صار يمثل ورطة كبيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن صار هؤلاء المرتزقة سواء في شمال سوريا أو بغرب ليبيا في موقف لا يحسدون عليه.
فمن جبل الزاوية بسوريا إلى مدينة الزاوية بليبيا صارت مليشيات أردوغان وجيشه في “خانة اليك”، أي زاوية مغلقة، وهو ما أكده الخبراء بعد انسحاب الجيش التركي ببداية الأسبوع الماضي من نقطة المراقبة التركية “التاسعة”، والتي تعد أكبر نقاط المراقبة التركية في مناطق خفض التصعيد شمال سوريا، بعد محاصرة الجيش السوري لتلك النقطة.
وأجبر هذا تركيا على التضحية بـ”فيلق الشام”، الذي يعد حليف تركيا الأول في ريف حماة والمتمركز في مدينة مورك بريف حماة، أمام المقاتلات الجوية الروسية، كي يحصد الطيران الروسي العشرات منهم في صباح 26 أكتوبر الجاري، مقابل خروج جنود تركيا سالمين من نقطة المراقبة، كي تهرب بعدها قوات الجيش التركي من نقطة المراقبة الى جبل الزاوية بإدلب.
ومن الزاوية السورية الى مدينة الزاوية الليبية يشتد الحصار على مليشيات أردوغان بعد ما جاء به اتفاق جنيف، الذي أعطى مهلة 3 أشهر فقط لخروج كافة العناصر الأجنبية المسلحة من ليبيا، وهو ما يمثل أزمة كبيرة للنظام التركي، المتضرر الوحيد من اتفاق جنيف الذي رحبت به كل دول العالم ماعدا تركيا.
أردوغان يبحث عن أدوار جديدة للمليشيات
ويقول الخبير في العلاقات الدولية محمد مسعود، في تصريحات خاصة لسكاي نيوز عربية: “لقد انفجرت أزمة مليشيات أردوغان في ليبيا بسبب طريقة تركيا في توزيع الأدوار الجديدة على تلك المليشيات، في ظل تقزيم نصيبها من كعكة المال القطري، وبالتزامن مع انفراط عقد تنظيم جماعة الإخوان هناك، جراء استقالة عناصر الجماعة من التنظيم في كل من مدن الزاوية ومصراتة، ثم ما جاء باتفاق جنيف ضد وجود المرتزقة الأجانب في ليبيا.”
ويضيف “الأمر الذي جعل من يدير تلك المليشيات في أنقرة نفسها في حالة تخبط وتناقض، في كيفية استخدام هؤلاء المرتزقة مستقبلا، في ظل فضح دور تركيا وأدواتها بالملف الليبي، وهو ما دفع عناصر عديدة من تلك المليشيات للهروب من الأراضي الليبية عبر مراكب البحر بسبب الضغوط التركية، بعد أن فقدت تلك العناصر الثقة في النظام التركي، في ظل تداول أخبار تفيد بعقد اجتماعات سرية بين الرئيس التركي ومدير مخابراته هاكان فيدان مؤخرا، لبحث نقل تلك المليشيات من غرب ليبيا إلى دولة جديدة.”
الموت على مشارف الخط الأحمر أو الرحيل الى كاراباخ
وفي ذلك السياق قال المحلل السياسي حمد المالكي، لسكاي نيوز عربية، إن كان اتفاق جنيف شكل صفحة جديدة أمام أطراف النزاع في ليبيا، فهو مثل صفعة شديدة للرئيس التركي في الآونة الأخيرة”.
ويضيف المالكي أن “أردوغان صار الآن أمام أمرين لا ثالث لهم، إما التضحية بهؤلاء المرتزقة على مشارف الخط المصري الأحمر سرت- الجفرة، أو سحبهم من غرب ليبيا الى دولة أخرى، أو إعادة تسكينهم مرة أخرى في معسكرات الجهاديين بشرق تركيا”.
المرتزقة السوريين صداع أردوغان الحالي
وقد كشف الباحث السياسي محمد الزناتي لسكاي نيوز عربية على أن اتفاق جنيف “وضع المرتزقة السوريين المدعومين من النظام التركي أمام الأمر الواقع، وهو الأمر الذي يمثل أول خطوة حقيقية لعودة السيادة للدولة الليبية، وهو ما يمثل في نفس الوقت صداع مزمن للرئيس التركي، الذي بات مطالب أمام المجتمع الدولي بالالتزام بما جاء باتفاق جنيف”.
ويضيف الزناتي أن الرئيس التركي “سعى عبر جناحه المسلح الخاص بإعادة تشكيل قوى إنكشارية جديدة لتحقيق أحلامه ونفوذه الخارجي، والآن صارت تلك القوى المتزايدة في حجمها عبئا عليه كما كان الحال مع أجداده، وبات مطالب بالتخلص منهم.”
الولايات المتحدة قد تتخلى عن أردوغان في ليبيا
يقول أستاذ العلوم السياسية محمد الشريف لسكاي نيوز عربية إن أردوغان “تمكن من الالتفاف على اتفاق برلين، وضرب بعرض الحائط كل ما تم الاتفاق عليه بالعاصمة الالمانية، وهو يعلم بأن لن يحاسبه أحد عن ذلك.”
ويضيف “لكن الأمر في جنيف قد يختلف كليا، لأن جنيف جاء برعاية مباشرة من إدارة دونالد ترامب التي تسعى لتحقيق إنجاز بالملف الليبي قبل الانتخابات القادمة، وهو ما يمثل ضغطا على الرئيس التركي، بعد أن صار وجها لوجه مع مليشياته، وفي حال تهوره قد يكلفه ذلك الكثير والكثير في اقتصاده المتردي بالأساس، وقد تضطر حينها الولايات المتحدة التخلي عن أردوغان في حال استمراره بالعبث بالأمن القومي الليبي، بحجة اتفاقاته السرية مع فايز السراج”.