فرضت جريمة مقتل المهاجر النيجيري حرقا على يد عناصر من مليشيات طرابلس تساؤلات عدة بشأن علاقة حكومة السراج ومن خلفها تنظيم الإخوان الإرهابي بعصابات تهريب البشر في ليبيا وتمركزات التنظيمات الإرهابية الموالية لقطر وتركيا في الحدود الليبية المشتركة مع عدد من الدول الأفريقية.
كما تطرح الجريمة تساؤلات أخرى بشأن الصمت الدولي عن جرائم عصابات التهريب، التي هي في الوقت نفسه ميليشيات تعتمد عليها حكومة السراج ودور هذه الحكومة في تغليف عمل هذه العصابات بأغلفة رسمية من خلال عملها كخفر سواحل وجهات تحقيق واحتجاز وحرس حدود وغيرها.
ويأتي ذلك على خلفية الجرائم المتكررة من الميليشيات المنضوية تحت حكومة السراج وآخرها وأكثرها بشاعة مقتل المهاجر النيجيري حرقا بعد سكب البنزين عليه وإضرام النيران فيه في 6 أكتوبر الجاري بمنطقة تاجوراء شرق طرابلس.
وللإجابة على هذه التساؤلات، قال مصدر أمني ليبي، تحفظ على ذكر اسمه، إن الاتجار بالبشر استشرى غرب ليبيا لما يدره من مكاسب بالمليارات وارتبط بفقدان التمويل الرسمي للتنظيمات الارهابية وبالتضييق الدولي على الدول الضالعة في دعم واحتضان الإرهاب وتنظيماته في ليبيا من قاعدة وداعش وجماعة مقاتلة.
تمويل ذاتي
ويقول المصدر الأمني في تصريحات خاصة لـ”سكاي نيوز عربية” إن هذه التنظيمات اعتمدت فكرة التمويل الذاتي للمشروع الإرهابي في ليبيا عملا باستراتيجية الذئاب المنفردة وتمويلها الذاتي بعد انتخاب البرلمان الليبي الحالي وعدم حصول الإسلاميين على مقاعد فيه، وبالتالي فقدانها التمويل الرسمي عبر المؤتمر العام الذي كانت تسيطر عليه ( 2012 – 2014 ) تحت ذرائع بناء الجيش الليبي ودعم الثورة عبر مقربين من قطر من بينهم يوسف المنقوش رئيس الأركان الليبي السابق وعبر عبد الرحيم الكيب الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء وقتها.
وأشار المصدر إلى أن الخلايا والكيانات الإرهابية غرب ليبيا تنقسم إلى 5 كيانات تجمعها الإيديولوجيا ومنع قيام الدولة الوطنية ومحاربة الجيش لكن بينها فوارق عقدية طفيفة.
الأولى ميليشيات جنوب طرابلس في الزنتان بقيادة الإخواني أسامة الجويلي وعماد الطرابلسي وهذه المليشيات اختارت مهمة جلب واستقدام الهجرة غير الشرعية من منطقة الساحل الأفريقي مثل تشاد ومالي والكاميرون ونيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو نظرا للتوغل القطري والتركي في هذه البلاد إضافة إلى دول القرن الإفريقي مثل إريتريا والصومال وإثيوبيا والسودان وذلك بمساعدة تنظيمات إرهابية جنوب ليبيا بقيادة الليبي على كنة والتشادي تيمان أرديمي المقيم في قطر وآخرين تابعين للنظام القديم علاوة بعض المهربين الحدوديين.
والثانية مليشيات الساحل غرب طرابلس، التي خصتها حكومة السراج بمهمة تصدير المهاجرين ومن بينهم عناصر إرهابية أرسلتهم للتسلل إلى السواحل الأوروبية تمهيدا لابتزازها لاحقا.
وفي الوقت نفسه تعمل هذه المليشيات تحت غطاء خفر سواحل تابعة للسراج وتتلقى ميزانية رسمية على ذلك.
والثالثة ميليشيات شرق طرابلس وتتمركز في تاجوراء وتتولى استخدام المهاجرين العائدين من الرحلات الفاشلة كخدم في المنازل وعمالة مقابل الأكل ودروع بشرية في مراكز الاحتجاز للوقاية من ضربات الجيش الليبي أو قوات الأفريكوم الأميركية.
ورابع هذه التكوينات الإرهابية، يقول المصدر الأمني، هي تلك الهاربة من شرق ليبيا تحت ضربات الجيش الليبي والتي اختارت حكومة السراج لبعض عناصرها البقاء في الغرب لحرب الجيش وتطويع المدنيين الرافضين للمليشيات وحتى لا تحدث نزاعات بينهم على الأموال.
ووزعت الباقي منهم بقيادة الإرهابي المصنف دوليا إبراهيم الجضران على مناطق الجنوب مثل مرزق وأم الأرانب والقطرون وسبها للتمركز وتسهيل استقدام المهاجرين من بلادهم تحت إغراءات التسفير إلى أوروبا مقابل مبلغ مالي. وحين يأتون إلى ليبيا يتم إرسال من لا يصلح منهم للاستخدام كمرتزق يحمل السلاح ضد الجيش.
الأخيرة فهي حسب المصدر الأمني تتمركز في مصراتة الساحلية والتي استأثرت وحدها بالتمويل القطري المباشر الذي يتدفق من قطر مباشرة إلى مطاري مصراتة المدني والعسكري وعبر الإخوانيان على الصلابي وعبد الرحمن السويحلي إبنا المدينة المقيمان بين الدوحة وأنقرة، إضافة إلى عوائد موانيها ومصانعها لتمويل الأنشطة الإرهابية.
مصدر دخل وتنسيق مافياوات دولية
وأكد السياسي الليبي عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، أن هناك مصدر دخل رئيسي للميليشيات والتنظيمات الإرهابية في ليبيا إضافة إلى فروع المافيات الدولية ومنها المافيا التركية التي تعمل لحساب شركة سادات المقربة من أردوغان.
وأوضح في تصريحات خاصة لسكاي نيوز عربية أن “أولهما: الحصول على الأموال من القادمين من الدول الأفريقية الفقيرة الراغبين في ركوب قوارب الموت؛ للوصول إلى الشواطئ الأوروبية، وفي المقابل تقوم بإبلاغ الإيطاليين بهذه السفن لمنعها من الوصول للمياه الإقليمية أو إغراق هذه السفن في المياه الدولية”.
وأضاف “وثانيهما تجارة النفط الليبي المسروق والتي تتخصص فيها ميليشيات ومافيات أخرى أبرزها مليشيا القصب التي يتزعمها ليبي يدعى محمد كشلاف والمدرج على قوائم الإرهابيين بمجلس الأمن”.
ونبه عقيل إلى أن المعاقبين دوليا “أحمد الدباشي” الشهير بـ”العم” وعبد الرحمن الميلادي الشهير بـ”البيدجا” سبق واعترفا علنا بتقاضيهما 5 ملايين يورو من المافيا الدولية لتنفيذ عدة مهام منها القتل، والإبلاغ عن سفن الهجرة غير الشرعية ومعلومات أخرى عن المسؤولين عن الهجرة غير الشرعية
وأضاف أن “المافيا المالطية والإيطالية ذات نفوذ بالغ في منطقة الساحل غرب طرابلس داخل دولها”.
محاصرة المشروع العربي
من زاوية أخرى، كشف اللواء صالح رجب المسماري وزير الداخلية الليبي الأسبق أن تنظيم الإخوان الارهابي يتبنى مخططا دوليا داخل ليبيا لإحداث تغيير ديمغرافي عبر توطين المهاجرين غير الشرعيين للقضاء على العنصر العربي في البلاد وبالتالي محاصرة المشروع العربي في ليبيا.
وقال المسماري في تصريحات صحفية إن المخطط يرتكز في الأساس على تمكين الأعراق غير العربية من المهاجرين غير الشرعيين من احتلال الشمال الأفريقي.
وأوضح أن هذا يتم عبر الجماعات الإثنية والعرقية بالمناطق الحدودية بأن تقوم كل جماعة في ليبيا باستضافة المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الدول الأفريقية الأخرى والمنحدرين من العرق نفسه مثل التبو والطوارق والأمازيغ.
وعزا مشاركة وتبني تنظيم الإخوان الإرهابي لهذا المخطط لأيديولوجيته المتطرفة التي لا تعترف بالدولة الوطنية أو سيادتها، إضافة الى كونها جماعة وظيفية تنفذ أجندات دولية في البلدان التي تتواجد فيها.
دروع بشرية بمركز الاحتجاز للوقاية من الضربات
من جانبها، وثقت تقارير دولية استخدام مليشيات غرب ليبيا للمهاجرين غير الشرعيين في طرابلس كدروع بشرية ومقرات احتجازهم كمخازن لسلاحها للوقاية من ضربات الجيش الليبي أثناء حربه على الإرهاب قبل خروجه من طرابلس في يونيو الماضي.
ويعتبر الاختباء في مدنيين وبينهم أحد أدوات المليشيات الإرهابية في ليبيا والتي يقود معظمها عناصر إرهابية دولية لديها خبرات سابقة في أفغانستان والشيشان.
وقالت مصادر عسكرية لـ”سكاي نيوز عربية” إن ذلك من الأسباب التي أعاقت تطهير طرابلس من الإرهابيين و ما كبل الجيش الوطني الليبي النظامي ومنعه من إستهداف المليشيات ومخازن سلاحها المختبئة داخل وبين المدنيين.
وفي يناير 2020، أغلقت المفوضية السامية لحقوق اللاجئين مركزا للاحتجاز بطرابلس بعد تسرب أنباء عن قيام عناصر ميليشياوية بالتدريب على القتال وإجراء تجهيزات حربية بالقرب من مبنى مخصص لإقامة مهاجرين غير شرعيين.
لكن الصور التي تسربت من داخل هذا المركز أكدت اختباء هذه العناصر داخل المركز وليس بالقرب منه، كما أكد ذلك تقريرا سابقا للأمم المتحدة ووقوع المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين في ليبيا تحت سطوة جماعات مسلحة.
وفي يوليو 2019، شهد مركز لإيواء المهاجرين بتاجوراء شرق طرابلس جريمة قتل لأكثر من 60 مهاجرا بينهم 6 أطفال وإصابة 130 منهم داخل المركز على يد مليشيات إرهابية في محاولة منها لإلصاق التهمة بالجيش الليبي وقتها واستعداء القوى الدولية ضده. وزعمت أن الحادث ناجم عن قصف جوي بينما أكدت تقارير حقوقية وصحفية وشهود عيان أن القتل تم بالرصاص من مسافات قريبة.
وقالت مصادر موثوقة إن المهاجرين رفضوا حمل السلاح والمشاركة في الحرب ضد الجيش الليبي فرمتهم المليشيات بالرصاص أثناء محاولات للهروب.
وحول هذا الحادث، قال تقرير أممي إن الغارة الجوية التي استهدفت منطقة قريبة من مركز إيواء للمهاجرين غير الشرعيين بالعاصمة الليبية طرابلس، تبعها إطلاق نار من قبل الحرس المنتمين لمليشيات طارابلس، استهدفت من حاول الفرار منهم.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” وقتها عن مهاجرين نجوا من قصف معسكر تاجوراء قولهم: “إن الميليشيات المحلية في طرابلس قد جندتهم قسرا في ورشة أسلحة مجاورة”.
وذكر الناطق باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن التقارير الدولية تؤكد أن المليشيات التي تحرس مقر إيواء الهجرة غير الشرعية في تاجوراء، أطلقت الرصاص على المهاجرين حين حاولوا الهروب من مقر الاحتجاز، مؤكدا أن ذلك يعد دليلاً على أن مليشيات طرابلس المسلحة الإرهابية تستخدم المهاجرين كدروع بشرية لغرض إلصاق التهم بالقوات المسلحة الليبية.