إيران وتركيا محتاجان إلى إسرائيل. فلولا وجود إسرائيل لاحتاجت إيران وتركيا إلى إيجادها. فإسرائيل هي ترياق النظامين الإيراني والتركي، التي يجب أن تُشترى، فهما باقيان بفضلها منذ سنين طويلة.
إن الخطاب المعادي لإسرائيل تُمكّن النظامان التركي والإيراني المجرمان من صرف انتباه الشعوب الإيرانية والشعب التركي عن مشكلاتهم الحقيقية وعن أزمتهم الإقتصادية وعن غلاء المعيشة الذي يرتفع إلى مستويات لا تُحتمل. وعن القمع السياسي وقتل وقمع المتظاهرين ، وعن عدم وجود حرية.
كانت الكراهية دائماً قوة موحِّدة، فلا يوجد كالعدو الخارجي المُشبه بالشيطان لإسكات التوترات الداخلية. إن اختيار عدو أهم كثيراً من إختيار صديق، كما كتب الفيلسوف الألماني نيتشه. وقد نجحت إيران وتركيا في ذلك أكثر من المتوقع.
وتساعد إسرائيل إيران وتركيا ، فهي تهددهما. والتهديدات بهجوم قريب وعقوبات هي زيت في إطارات نظام الملالي ونظام أردوغان المتعثران. وهي طوق نجاة تطرحه القيادة الإسرائيلية لإيران وتركيا في آخر لحظة. فالقوى الإصلاحية التي هددت النظام الإيراني في2009 طالبة الحرية والاننتخابات النزيهة ستتحد حوله في حال هجوم إسرائيلي ، والمعارضة التركية من رفاق درب أردوغان سيتم قمعهم في البلدين بحجة التوتر مع إسرائيل !
يخدم نتنياهو مصلحة خامنئي وأردوغان. وهما يتقنعان بقناع المعتدي الذي يساعد على تشبيه إسرائيل بالشيطان في إيران وتركيا، ويسهل الآن أن تُعرف إسرائيل بأنها ورم سرطاني في الشرق الأوسط. وسيقتنع المتشككون أيضاً. وحتى لو كان الحديث عن تهديدات باطلة من قبل إسرائيل لطهران وأنقرة فإنها قد أفادت النظامين الإيراني والتركي الذين إمتازا باختيار عدو يخدمهما خدمة صادقة.
يستحق الشعبين الإيراني والتركي قيادة أُخرى وسيحصل على قيادة أُخرى. فالثورات الإقليمية ستبلغ إلى طهران وإسطنبول أيضاً.
وإسرائيل محتاجة إلى إيران وتركيا كذلك وبصورة يائسة. فلولا وجود إيران وتركيا لوجب على إسرائيل أن توجدهما. وإيران الصفوية وتركيا الصوفية ترياق للقيادة الإسرائيلية الحالية يجب أن تُشكران، فهي ما تزال في السلطة بفضلهما.
كانت الكراهية والتخويف دائماً نظامي سيطرة ناجعين، ولا سيما بالنسبة لحكومات اليمين الإسرائيلي المتطرف.فالخطاب المعادي لإيران وتركيا المُعلن هو للإستهلاك الكاذب تُمكّن نتنياهو من الضرب على أوتار المحرقة وصرف انتباه الإسرائيليين عن مشكلاتهم الحقيقية. عن الأزمة الإقتصادية وعن غلاء المعيشة الذي يرتفع إلى مستويات لا تحتمل. وعن الخدمات العامة المنهارة. وعن الإستثمارات الضخمة في المستوطنين والحريديين(طائفة دينية يهودية متطرفة).
وتساعد إيران وتركيا إسرائيل، فهما يهددونها. وهذه التهديدات زيت في إطارات حكومة نتنياهو المتعثرة تنقض عليها كأنها تجد غنيمة كبيرة. إن غيوم الحرب التي أنتجها نتنياهو والتي تلوث جو إسرائيل على الدوام من بدء الشتاء إلى نهاية الصيف، قد نجحت في خنق الإحتجاج الإجتماعي الواسع جداً الذي كان تهديداً حقيقياً للحكومة سنة2012.
إن طلب السكن في متناول اليد، والعدالة الإجتماعية والخدمة العامة المدعومة والتي تؤدي عملها قد أصبح مثل ثلج العام الماضي بإزاء تهديد الصواريخ والقنبلة الذرية. وقد حل محل الخطاب المدني والنسوي النادر جداً في إسرائيل خطاب أمني مؤمن بالقوة والعنف، مرة أخرى، والحال في إسرائيل كالحال في إيران وتركيا، فالأمور تتقدم بحسب ما يرى الزنادقة الصفويين في قم والصوفيين والإخونج في إسطنبول. فمن الحقائق أن الحاخام عوفاديا يوسف قد جاءه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب عميدرور مرشداً موجهاً وبقي أن يجد فتوى تُسوغ الحرب.
تستحق إسرائيل قيادة أُخرى وستحصل على قيادة أُخرى، والمسألة مسألة وقت فقط. وفي الأثناء ينشغل قادة إسرائيل وإيران وتركيا الفاشلين بلعبة معقدة تبدو مثل معركة شديدة بالسكاكين. لكن النظر من قريب يُبين أنها ليست معركة بل هي رقصة تانغو. إنه حلف أبدي بين ثلاث أنظمة أكل الدهر عليها وشرب يدينون ببقائهم لبعضهم البعض ضد السعودية ومصر وكل العرب والمسلمين.