لن أبالغ إذا قلت: إننا كعرب نعيش زمن (الخيانة) بامتياز. جماعات متشددة ومتطرفة ومتصحينة؛ تقدم نفسها على أنها إسلامية، وتمثل العرب في أوطانهم العربية، ومع ذلك لا تتورع عن خيانة الإسلام والعرب وأوطانها العربية، بأن تتعاون مع أعدائهم وقتلتهم من الفرس والترك والصهاينة. الأوطان العربية تُهان وتُخان من أبنائها؛ في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا وفلسطين وغيرها، والعرب يُقتّلون ويُهجّرون ويُذلّون بسبب خيانة عرب لعرب لا يعترفون بأوطانهم، ولهذا يخونوها فيبيعوها جهارًا نهارًا. تأتي جماعة الإخوان المفسدين على رأس هذه الجماعات الخائنة الذليلة، التي تقدم للمحابر والمنابر من تسميهم دعاة، لكي يمثلوها في تدبير المؤامرات وحبك الخيانات مع الفرس في طهران، ومع قرد-غان في أنقرة، ومع الهالك القذافي في خيمة الغدر والخيانة بطرابلس، ثم تكر السبحة بعشرات الحمساويين من غزة أصحاب (الكضية)، الذين انكشفت خيانتهم للفلسطينيين أهلهم قبل غيرهم، وظهرت عمالتهم للعدو الإسرائيلي، وعلاقاتهم بالموساد، حتى فرّ بعضهم بخزيه وعاره إلى حضن المحتلين الصهاينة. والهدف واحد هو: تفكيك المنظومات الحاكمية والأمنية في الأقطار العربية كافة، وتقديمها على طبق من ذهب لملالي طهران ودجال أنقرة، وموساد تل أبيب، ومن يرغب في الشراء من باعة الأوطان العرب، باسم الدين تارة، وباسم (الكضية) تارة أخرى.
هل مر على العرب مرحلة من الخيانات أعظم وأسوأ من هذه..؟ كانت الأوطان فيما مضى؛ أمانات في عهدة مواطنيها، لأنها جزء من ديانتهم وحياتهم وتاريخهم، حتى جاء منهم من ضيّع هذه الأمانة، فرضي بالمهانة؛ فتحول إلى مجرد عميل وذنب وخائن وطن. يؤثر عن خليفة المسلمين الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: (من ضيّع الأمانة؛ ورضي بالخيانة؛ فقد تبرأ من الديانة).
منذ أن وعينا ونحن نقرأ ونكتب وننادي بالتطوير والنهوض والتقدم في كافة مجالات الحياة، لكي نصبح منتجين ومكتفين وفاعلين، ومساهمين في صناعة الحضارة الإنسانية كباقي شعوب الأرض المتحضرة. لكن كيف لنا بهذا؛ ومنا من يخون وطنه، ويبيع ويشتري فيه، حتى أصبحت الخيانة جزءًا من خطاب ثقافي يمس الإصلاح. يؤثر عن المفكر عبدالله القصيمي رحمه الله قوله: (أكثر الشعوب المتحضرة؛ تنتقد نفسها وأشياءها، أما الشعوب العربية؛ فإنها لا ترى فرقًا بين النقد والخيانة). ما أصدق ما قال.
هل بوسعنا مواجهة أكثر من عدو يكمن في دواخلنا ويتربص بنا..؟ خونة الأوطان أولًا؛ ثم الدجاجلة والجهلة من دعاة التخلف، وجيش المثبطين والمهبطين، وحشود الفسدة من سراق المال العام..؟ الأرقام الإحصائية التي تعلن عن نفسها بين وقت وآخر؛ تعكس واقع الحال، الذي يذهل الحليم، ويصدم الحكيم. فهل يأتي من بيننا من يقول: بأن أرقامنا هي الأخرى تكذب وتخوننا..؟
نتذكر جيدًا؛ قمة عالمية للحكومات عقدت في دبي من 12- 14 شباط/ فبراير 2017، وضمت جلساتها على مدى 3 أيام؛ 150 متحدثًا في 114 جلسة، حضرتها أكثر من 4.000 شخصية إقليمية وعالمية من 138 دولة. مما رشح عنها وأعلن وقتها؛ هذه الأرقام المفجعة عن حالة العرب في أوطانهم المبتلاة بالبعض منهم. انظروا واحكموا: 57 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة. 13.5 مليون طفل عربي لم يلتحقوا بالمدرسة عام 2017م. 30 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر. 8 % زيادة في معدلات الفقر آخر عامين. تريليون دولار كلفة الفساد في المنطقة العربية. 5 دول عربية في قائمة العشر دول الأكثر فساداً في العالم.
ورغم أن العالم العربي يمثل 5 % من سكان العالم؛ إلا أنه يعاني 45 % من الهجمات الإرهابية عالميًا. وأن 75 % من لاجئي العالم عرب. 8 % من وفيات الحروب عالميًا عرب. 20 ألف كتاب فقط ينتجها العالم العربي سنويًا، أي أقل من دولة مثل رومانيا. 410 ملايين عربي لديهم 2.900 براءة اختراع فقط، بينما 50 مليون كوري لديهم 20.201 براءة اختراع.
ومن عام 2011 حتى 2017؛ تم تشريد 14 مليون عربي. ومن عام 2011 حتى 2017؛ هناك خسائر بشرية تصل إلى 1.4 مليون قتيل وجريح عربي. ومن عام 2011 حتى 2017؛ تم تدمير بنية تحتية بقيمة 460 مليار دولار. ومن عام 2011 حتى عام 2017؛ هناك خسائر في الناتج المحلي العربي بقيمة 300 مليار دولار.
أرأيتم.. كل هذه المصائب؛ وهذا العار والشنار؛ وهناك من يلعب بورقة الخيانة الوطنية، فهي سنية مرة، وشيعية مرة، وقومية مرة. وهي مُرّة مُرّة في كل مرة. كيف يصلح حال العرب؛ وتتعدل أرقامهم؛ وفيهم خونة وأذناب وعملاء، وفيهم جهلة ودجاجلة وفسدة..؟ إن أصدق صورة شعرية لحالة العرب اليوم؛ مع خياناتهم ونكساتهم وعمالاتهم ونذالاتهم؛ وكذلك ما تنطق به أرقامهم؛ وما تقول به إحصاءاتهم؛ ما قال به شاعر عربي معاصر:
احص التوتر والقلق. وكم متراً
يلزمنا لنرى النور بآخر النفق...
احص.. كم شخصًا صدق بالوعد
وكم إنسانًا التزم بقدسية الاتفاق...
وكم جسدًا تعذب ورغمًا عنه
بالحزن عاش. ومع الفرح لم يتفق...
ماذا ستحصوا يا علماء الإحصاء
فكل من بهذه الحياة.. جدًا مستاء...
ولقد حكمت محكمة الحياة!
بأن تبقى قلوبنا أسيرة للدمع
ومحاولاتنا للعيش.. محاولات بلهاء...
حكموا علينا بعنفوان.. بأن لا نكون
بشرًا.. بل بقايا بشر. أو إنسان...
حكموا.. ووضعوا مشاعرنا وأحاسيسنا
وقضايانا في ملف النسيان...
زمن.. لم يجعلوا فيه فرقًا
بين الإنسان والحيوان...
زمن.. فيه العدل وفيه الصدق
أموات من قديم الزمان.......