إن المتتبع للثورة التي أحدثتها النقلة النوعية في وسائل التواصل والإعلام بصفة عامة، يثمن الدور الكبير الذي تقوم به المملكة العربية السعودية على جميع الأصعدة والمجالات، ومن ضمن تلك المبادرات الدولية التي كان لها صدى واسعاً في الأيام الماضية، اعتراف اليونسكو بالإبل كموروث عالمي غير مادي، حيث أن المنظمة الدولية للإبل ومقرها السعودية هي التي أحدثت هذا الإنجاز الكبير بفضل الدعم الكبير الذي تلقاه من لدن خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة، وفي هذا المقال سوف نذكر للقاريء الكريم الذي لا يعرف عن المنظمة والإبل إلا القليل حتى يتحقق المقصود منه للجميع.
- الإبل ذكرها الله تعالى في محكم التنزيل وهي الحيوان الوحيد الذي ضمه تعالى لذاته الإلهية بقوله (ناقة الله وسقياها)، والرسول صلى الله عليه وسلم كانت له ناقة يقال له القصواء ولها مكانة كبيرة عند جميع المسلمين إلى أن تقوم الساعة.
- أنها تحظى برعاية ملكية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين، ومتابعة وإشراف من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، وحكام الخليج وأصحاب السمو الملكي والأمراء والمعالي والدبلوماسيين وكبار الشخصيات.
- أن مكانة الإبل كبيرة عن العرب منذ القدم، بل عند جميع الأديان السماوية.
- أن الذين يقتنونها من أشجع وأنبل الرجال وأكرمهم وأقدرهم على رعايتها. - أن الإبل هي الحيوانات الوحيدة القادرة على التكيف مع الصحراء، بما يتناسب مع حياة الإنسان العربي.
- أنها كانت وسيلة النقل للإنسان العربي وانتشر من على ظهورها الإسلام والفتوحات، واستطاع الملك عبدالعزيز – يرحمه الله - توحيد المملكة عليها.
- إن الشعراء تغزلوا بها ولا يزالون يصفونها بأجمل السمات، فالمعلقات والنقوش التاريخية امتلأت بوصف الناقة من عرنونها إلى عرقوبها.
- أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – وولي عهده الأمين قد وضعا مزاين الصياهد للجميع، فليس خاص بقبيلة معينة عن قبيلة أخرى ولا لجنسية عن جنسية، ولكنه مزاين الوطن والخليج والعالم، يحل محل المزاينات التي يستوحي منها ظهور النعرات القبلية والعصبية وما تنتجه من تعالي وبذخ ومخالفات.
- أن التطور الذي يشهده الوطن لا يتعارض البتة مع الاعتزاز بالهوية والحفاظ على التراث الأصيل، ويمكن الوصول إلى أعلى درجات التطور والريادة والحضارة مع الاحتفاظ بالإبل، ومزاولتها كمنشط اقتصادي مربح ليس له مثيل.
- أن مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل وصل للعالمية وخير شاهد ما حدث قبل أيام عندما أعلن رئيس المنظمة الدولية للإبل الشيخ/ فهد بن فلاح بن حثلين أن منظمة اليونسكو العالمية اعترفت بالإبل كتراث عالمي إنساني غير مادي، مما يجعل المواطن غير المقتنع بأهمية الإبل يراجع نفسه.
- أن مهرجان الملك عبدالعزيز دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية من جميع الأبواب؛ فهو أكبر تجمع مؤقت مكتمل المرافق في العالم، وأسرع أعمال انشاء لمجمعات سكنية متكاملة في العالم، وأطول شارع تجاري شعبي من نوعه في العالم، وأكبر سوق شعبي للإبل من نوعه في العالم، وأكبر حركة بيع وشراء ونقل من نوعها في العالم، ولأول مرة خدمة فندقية ومطاعم فاخرة تقام في وسط الرمال المتحركة في زمن قياسي، وتضم أكبر مخيمات ترفيهية من نوعها في العالم، وأفضل منشآت سكنية مؤقتة متكاملة المرافق في العالم، وأكبر تواجد أمني في الصحراء.
- أن الغرب يقيمون مزاينات الكلاب والقطط والنعام والطيور والخنازير وصراع الثيران، وشرائح المجتمع لم تقف ضد هذا العمل لأنه من صميم ثقافتهم، ولم يكن لديهم تحسس من إقامة المهرجانات المتعددة وتدفع لها الملايين مع رعايتها، فمثلاً يقام مهرجان التراشق بالطماطم التقليدي السنوي (لا توماتينا) في أسبانيا حيث يقوم آلاف المواطنين بالتراشق بـ 115 طناً من الطماطم وحضور ما يقرب من 40 ألف مشاهد، وعشرات الآلاف من السائحين القادمين من جميع أنحاء العالم والذين يتوافدون للانضمام إلى هذا الاحتفال بينها سائحون من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا، وأستراليا، واليابان.
كل هذا لم يمنعهم من الوصول للتقدم. كما توجد في دول أخرى مسابقات جمال الخيل، ومسابقات جمال الماعز والتيوس والحمام والببغاوات وتدفع لها أموال باهضة.
- أن مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل حقق أهداف دينية ووطنية واجتماعية ومكاسب للوطن لا تعد ولا تحصى، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ اجتماع أبناء الوطن بل البيت الخليجي بل الثقافة العالمية في مكان وزمان واحد، ليتعارفوا ويعيشوا أياماً لا يمكن أن يجدوا مثلها طيلة العام, كما أنه ملتقى ثقافي وإعلامي واجتماعي واقتصادي من خلال ما يعرض بالقنوات الإعلامية والشعبية كل يوم وليلة من برامج تحوز على استحسان الجميع. بالإضافة إلى مشاركة جمعيات حفظ النعمة والجمعيات التطوعية وأصحاب المبادرات والأعمال الريادية.
- أنه حظي في النسخ السابقة سواء في مزاين الإبل أو الفعاليات المصاحبة لها، بمتابعة جماهيرية وإعلامية واسعة داخل البلاد، وخارجها، لاسيما أنه يعكس اهتمام القيادة الرشيدة بكل ما يهم الوطن وتاريخه وثقافته وتراثه، لربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير، الذي يشكل جزءا من تاريخ البلاد، حيث نظم قافلة ركايب والتي شارك فيها الكثير من دول العالم، والقرية التراثية التي شاركت فيها (96) دولة من بدو العالم، مما يسعى إلى تحقيق الريادة إقليمياً وعالمياً ليكون أبرز ملتقى دولي عن الإبل، يجمع كل الرواد والمهتمين بالإبل والتراث والأصالة من جميع أنحاء العالم.
- أنه ساعد على ربط الأجيال الناشئة بتراث الوطن وعاداتها وتقاليدها المستمدة من عمقها العربي الأصيل، والحفاظ على الموروث الذي تتناقله الأجيال وتحرص عليه، كما أنه يعزز مستوى مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لما تستهدفه ”رؤية المملكة 2030“.
- أن مهرجانات المزاينات أصبحت قبلة يؤمها المهتمون بهذا التراث من كافة أنحاء العالم، لا سيما مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يحرصون على المشاركة في السباقات والمنافسات المصاحبة للمهرجان، وهو ما أضفى على الفعالية طابعا دولياً.
- أن موقع المهرجان وتصميمه بالكامل مستوحى من البيئة العربية القديمة، حيث تنتشر الخيام وبيوت الشعر التي يشعر معها الزائر بأنه عاد سنوات طويلة إلى الزمن الجميل.
- أن المزاينات باتت مناسبات اجتماعية وملتقيات اقتصادية وثقافية، فبينما ينشغل البعض بإلقاء قصائد الشعر ينهمك آخرون في سرد القصص والحكم، في الوقت الذي يركز فيه آخرون على تعداد المزايا التي تتمتع بها إبلهم المشاركة في المهرجان.
- أن ملاك الإبل يتنافسون على التباري في الكرم العربي الأصيل وحسن الضيافة والترحيب بضيوفهم، ودعوة العابرين والمارة لتناول القهوة العربية، يعلمون أبناءهم معاني الرجولة وحسن الخلق، يتبادلون الابتسامات، لا يهمهم من سيربح أو سيفوز، فكلهم فائزون.
- أنه يقدم للوطن انتعاش الحراك الاقتصادي الذي يعود نفعه على الوطن والمواطن، ولا سيما أن الإبل كانت وما زالت مصدر رزق لأهل البادية والحاضرة والمهتمين بها، ويعتزون بها ويفخرون بتملكها سواء قديماً أو في عصرنا الحالي, مما كان له أثر كبير على الوطن بصفة عامة، حيث أن أغلبية المستفيدين وهم بمئات الألوف من ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة (الأسر المنتجة/أصحاب المحلات الخدمية/الفود ترك والمطاعم/موردوا الأغنام والقعدان/الأعلاف/الخيام للمبيت/المسالخ/ الأستوديوهات المتنقلة/القصيد والشيلات، الحطب المستورد/محلات الغاز/مستلزمات واكسسوارات الإبل/الخدمات الفندقية...الخ)، مما يعمل على تحريك ما يسمى بالاقتصاد المركب، والذي يأتي من خلال انخراط الكثير من أبناء الوطن بالعمل في تلك المهرجانات إما كمشارك أو منظم أو مورد خدمة، وبالنسبة لهؤلاء غالبيتهم إذا استلموا جوائزهم أو مكافئاتهم أو جمعوا أرباحهم من خلال تقديم الخدمات، غالباً لا تجلس الأموال التي حصلوا عليها في أرصدتهم لفترة طويلة بل بالعكس ربما خلال أيام قليلة تكون قد توزعت، إما بتسديد أقساط شراء سيارة أو بناء إضافة في منزله، أو توفير حاجة صحية أو أمر تعليمي، أو قضاء دين، أو شراء نياق أو أعلاف، وهذه الدورة تعتبر من أكبر الدورات الاقتصادية المجتمعية في العالم والكثير من الدول المتقدمة تعمل على توفيرها لما لها من أثر كبير في تحسين مستويات المعيشة للمواطنين.
- أن ملاك نخب الإبل وتجارهم يصرفون أموالهم في الداخل برعاية إبلهم والتنقل معها في سياحتهم الشتوية أو المكوث قريبين منها في سياحتهم الصيفية وانتقالاتهم وأعلافهم، مما يعزز تدوير الأموال داخل الوطن.
- مما سبق يتضح لنا أهمية مهرجانات الإبل ومردودها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي على الوطن، وأن ما يدفع من جوائز وتكاليف تجهيزات المهرجان يحصل المواطنون على أضعاف أضعافها من خلال الحركة الاقتصادية الكبيرة التي تتم خلال ستين يوماً، بالإضافة إلى الفعاليات والحراك الثقافي والاجتماعي وتوطيد العلاقات الاجتماعية بين الراعي والرعية، ولقاء الأخوة أبناء الوطن الواحد والخليجيين والعرب والعالم أجمع في هذا المهرجان العالمي، مما يحفز الكثير من رجال الأعمال والتجار في دخول تلك المنافسات لما لها من أثر كبير على مشاركتهم والحصول على دخل كبير لا يمكن أن يقارن بغيره من أنواع التجارة الأخرى. إن ما حدث قبل أيام من إنشاء مجموعة سلام البيطرية للإبل كأكبر مستشفى متخصص بالعالم بميزانية تربو على (136) مليون ريال، وإنشاء شركة إبل لمستلزمات وأدوات الإبل بقيمة (40) مليون ريال خير دليل على ما تم سرده في هذه المقال عن الإبل والعالمية.
كتبه الدكتور/ خالد بن عبدالله التركي
عضو مجلس إدارة نادي الإبل