أمّ المصلين لصلاة الجمعة معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام وقال بعد حمد الله والثناء عليه : هكذا تجري سنن الله في الحياة والأحياء ، كثير من النعم يغفل عنها أهلها ، لايدركها من يدركها إلا حينما يمسهم الضر ، وتحل بهم الحوادث ، وحينئذ يبصرون ألاء الله ، وقد كانت بين أيديهم ، ولكنهم كانوا عنها من الغافلين .
عباد الله : وإذا كان ذلك كذلك فتأملوا حين من الله على المسلمين بإعادة فتح المساجد وإقامة صلاة الجمعة والجماعة ، وتأملوا كيف ظهرت عليهم الفرحة والبهجة والسرور حين عادوا إلى مساجدهم بعد أن اجتاحتهم هذه الجائحة . نسأل الله الكريم المنان أن يعجل بزوالها ، ويمنَّ ويتفضلَ برفعها إنه سميع مجيب .
لقد عادوا إلى محاريب الصلاة ، ورياض الجنة ، وقد قيل : أصدق مشاعر الحب لمن ذاق لذع الصدود ، وألذُّ الصحة ما كان من بعد مرض ، وأعظم الشعور بُعدُ الحبيب وهو قريب .
واكمل معاليه : لو حدَّثت المساجد أخبارها حين غاب عنها رجالها ، تحدث أخبارها عن متوضئين ، متطهرين ، مبكرين ، في الظلم مشائين ، وإلى الصفوف الأولى مسارعين ، بالركوع والسجود مشتغلين ، وبالتلاوة والأذكار مشغولين ، ممن يؤمن بالله واليوم الأخر ولا يخشى إلا الله ، رجال تعلقت بالمساجد أفئدتهم ، وطابت بين سواريها نفوسهم ، واطمأنت بالجلوس فيها قلوبهم ، لا يسأمون التردد عليها ولو بعدت المسافات ، يحتسبون خطاهم ، كما يحتسبون انتظارهم ، يتسابقون في التبكير ، ويشتغلون بالذكر والتكبير : ” إنهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، رجال معلقة قلوبهم بالمساجد ” .
يقول الحافظ بن رجب : ” المعلق قلبه بالمساجد ” ، وفي رواية : ” إذا خرج منه حتى يعود إليه ” فهو يحب المسجد ويألفه لعبادة الله فيه ، فإذا خرج منه تعلق قلبه به حتى يرجع إليه ” .
قال رحمه الله : ” وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه ، وقادها إلى طاعة الله فانقادت إليه ، فإن الهوى يدعو إلى محبة مواضع من هوى ، ولا يقصر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من أحب مولاه ، وخالف هواه ، المسجد قرة عينه ، وشفاء صدره ، وأنس فؤاده .
واختتم معاليه الخطبة الاولى فقال عباد الله : وفي مقابل هذه الفرحة والاستبشار والذي يحظى به هؤلاء الأخيار حين يتوافدون على بيوت الله يقابلهم فرح الله عز وجل بهم عائدين إلى بيوته ، مصلين في رياضه ، مسارعين إلى رضوانه .
جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما توطَّن رجلٌ مسلم المساجدَ للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم ” رواه ابن أبي شيبة ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وصححه الألباني .
وقال معاليه في الخطبة الثانية معاشر المسلمين : لم يُعرف في ديوان أي حضارة ولا سجل أي ثقافة معلمٌ أثر في مسار الإنسانية واستنقذها كمثل المسجد في حضارة المسلمين ، فقد أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقر اجتماعهم ، ومركز مؤتمراتهم ، ومجلس تشاورهم ، وميدان تآلفهم ، وتعارفهم ، إنه المدرسة ، والمعهد ، والجامعة ، ومركز التدريب ، في أرجائه كان التقاضي ، وبين أروقته كان التشاور ، ومن محرابه كانت القيادة .
واضاف معاليه: معاشر الأحبة :ويأتي الحرمان الشريفان وهما لم تتوقف صلوات الجمع والجماعة فيهما في هذه الأزمة – ولله الحمد – في مقدمة مساجد المسلمين في أرجاء المعمورة كلها يستشعرون فيه المشهد الحضاري في اجتماع المسلمين وتآلفهم ، فالقبلة قبلتهم أحياء وأمواتا ، والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ، والعمرة والزيارة من أعظم ما يتطلع له المسلمون .
ثم تأتي في هذا العصر الحاضر هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين ، وهي التي تعرف لهذين الحرمين الشريفين مكانتهما ومنزلتهما فقامت على رعايتهما وخدمتهما ، وبذلت الغالي والنفيس من أجلهما وأجل قاصديهما من الحجاج والعمار والزوار .
واكمل معاليه : وحين نزلت هذا الجائحة بالعالم كله اتخذت هذا الدولة المباركة إجراءات محكمة من أجل سلامة مواطنيها والمقيمين على أرضها , وبذلت في ذلك الغالي والنفيس مما يشهد به البعيد قبل القريب , فقد أدارت هذا الأزمة بكفاءة عالية منقطعة النظير – فلله الحمد والمنة – , ومن ذلك أنها علقت العمرة ، وقد حظي هذا القرار بالترحيب من جميع المسلمين أفرادا وهيئات ودولاً .
وحينما جاء هذا الموسم الكريم موسم الحج ، والجائحة لا تزال جاثمة على العالم كله , ومعدلات الإصابة فيه بازدياد ، حرصت كل الحرص على إقامة شعيرة الحج متخذة أعلى الاحتياطات وأدق الإجراءات لتقوم هذه الشعيرة ، وقد استهدفت الدولة حفظها الله بهذا القرار أمرين هما :
الأول : إقامة الشعيرة
الثاني : المحافظة على أمن وسلامة الحجاج .
والدولة أعزها الله وهي تتخذ هذه الإجراءات تستحضر حفظ الإسلام للنفس البشرية.
واختتم معاليه الخطبة بالدعاء للمسلمين ولحكومة خادم الحرمين الشريفين وأن يديم على هذا البلد وبلاد المسلمين دوام الصحة والأمن والأمان .