من أعظم الدروس التي علمني والدي إياها، هي النظرة الإيجابية تجاه كل شيء سواءً (الجيد منها أو السيء) لأن فيها التفاؤل الذي يصنع المشاعر الإيجابية حتى ولو لم تحدث بالشكل الرائع الذي توقعته!
في جلسة نقاش مع والدي ذكر لي قصة ولا أعرف من عاشها أو حتى راويها وتقول القصة:
بأن هناك رجل جلس في نهاية العام (السنة) وكتب على ورقة بأن ذلك العام كان عام بُئس وشؤم! لأن فيه حدث له حادث سير، وتنوم في إحدى المستشفيات لإجراء عملية جراحية، وهكذا بدأ يعدد المساوئ..
ثم دخلت عليه زوجته وهو غارق في التفكير، ومنشغل البال تفكُرًا في ذلك العام السيء!
قرأت زوجته تلك الورقة.. ثم غادرت إلى الخارج.. وكتبت في ورقة صغيرة: "حدث عليك حادث سير ولكن ولله الحمد خرجت بأطيب حال ولم تصب بالشلل أو فقدان الذاكرة، وقد أجريت عملية جراحية وأنت الآن تنعم بالصحة والعافية ولم تحدث لك مضاعفات أو أخطاء طبية، انظر في كل حدث وستجد الجانب المشع والمشرق فيه"
عادت الزوجة للغرفة ووضعت الورقة أمام زوجها.. قرأها الزوج.. ثم ماذا؟
بالطبع تحسنت حالته المزاجية وحمد الله وخرج من دوامة التفكير المنتجة للمشاعر السلبية..
ولذلك من أهم ركائز السعادة أن يكون السلام الداخلي حاضرًا، ومفعمًا بالإيجابية، متخبئًا عن النظرات السلبية، بعد الإيمان بأقدار الله بأنها الأفضل دائمًا، وأن التفاؤل هو المنهج الذي حثنا عليه رسولنا الحبيب كما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قائلًا :"كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يحبُ الفأْلَ الحسنَ ويكرَهُ الطِّيَرةَ"
ونحن في هذه الأيام مع جائحة (كورونا) يغلب على مجتمعنا المشاعر السلبية والنظرة المتشائمة تجاه الأحداث المحلية والعالمية، ولو مكثنا خلف زنزانة التفكير المتشائم، داخل حوائط من الخوف والقلق، وتحت سقف الضجر والتوتر؛ لقتلنا أنفسنا ولم نغير شيئًا في العالم!
صحيح اليوم هناك جائحة أصابت العالم، والمملكة جزء من هذا العالم، فتأثر الاقتصاد، الصحة، ومعظم النشاطات المختلفة... والكثير من مصالحنا تعطلت.. ولو أردنا ذكر السلبيات لَوجدناها كثيرة!
ولكن تركيز النظر في هذه المقالة على إيجابيات هذه الفترة والدروس التي تعلمتها من هذه الجائحة؛ وسأتعرض معكم بعضها بشكل مبسط؛
- أيقنت أن بهجة الأسرة سعادة لا يُضاهيها سعادة في الكون، ففها الأم الحنونة، والأب الحكيم، والأخت الودودة، والأخ الوفيّ الصادق! وهم الأجدر بالبقاء حولهم لخدمتهم وصنع السعادة لهم ومعهم وبينهم!
- تعلمت أن قضاء ساعة في جوار الأسرة من عفوية الحديث، وتلائم القلوب، والاحترام المتبادل بين أفرادها، تُغني عن ساعات من الذهاب إلى البحر أو زيارة لإحدى المقاهي أو غيرها!
- تعلمت أننا نستطيع أن نصنع سعادتنا في المنزل بـ (أشياء بسيطة) عن طريق إجراء مسابقات للأطفال، تحديات، قصص، ألعاب فيديو، أو الطبخ في المطبخ وإقامة مائدة الشواء!
- تعلمت أن البقاء في المنزل يهذب النفس ويعيد ترتيب الكثير من الأولويات التي كنت أتجاهلها أحيانًا أو اصرف النظر عنها!
- أدركت فعلًا أن هناك من يتألم حقًا ليس لوفاة أحد أو خسارته في البورصة، وإنما لأنه لا يجد ما يأكله على وجبة العشاء ويطعم به أطفاله لأنه يحصل على قوت يومه (المال) من عمله اليومي!
- تعلمت أن الأيام العادية التي كنا نقول عنها (مجرد روتين يومي ممل) أصبحت هي الشوق الذي ننتظره ولا نريد غيره اليوم!
- تأكدت حتمًا أن العلم هو الحبل المتين الذي ينقذ الأمم والشعوب عندما تسقط في بئر بعيدًا القاع عندما تواجهها الأزمات والمحن والمصائب!
- عرفنا من هم أفراد المجتمع الأبطال الذين يضحون بأنفسهم ويحترقون لخدمة مجتمعهم وهم أبطال المرحلة (العلماء-الأطباء-رجال الأمن-رجال التجارة-وغيرهم) ولا عزاء على بعض المُهرجين في مواقع التواصل والذين أعلى طموحاتهم هو الإعلان وصناعة النكت البائسة من أجل (زيادة المتابعين)!
- تأكدنا جميعًا أن بلادنا وقيادتها الحكيمة جعلت الإنسان (لم أقل السعودي فقط بل الإنسان داخل حدودها) هو المرتبة الأولى، ومن بعده تأتي الأشياء الأخرى، فهنيئًا لنا هذه القيادة الإنسانية الرشيدة وحفظها الله من الشر والشرور والأشرار!
- تعلمنا أننا نستطيع التأقلم مع الظروف الصعبة، واليوم الواقع يشهد بأن الجامعات وغيرها استطاعوا أن يُجرون الاختبارات والمحاضرات والاجتماعات وغير ذلك من مهام دون الوقوف جانبًا وتضييع الوقت في التحسر!
- تعلمنا أن تكلفة إقامة الزواج تم القضاء عليها (في هذه الفترة) بعد أن قامت الكثير من العوائل بتزويج أبناءها (عن بعد) عن طريق برامج الاتصال المرئي ولا داعي لـ (قصر افراح، عشاء، تكاليف باهظة أخرى) والعجيب أن كمية السعادة قد تكون أكثر مع هذا النوع من الزواجات البسيطة!
- تعلمنا أن الخزن الاستراتيجي مهم للغاية، على جميع المستويات، الشخصي والتجاري وغيرها، فاليوم نتعلم أهمية الاقتصاد وكيفية تقليل الصرف وزيادة الادخار لتأمين المستقبل من أي صعوبات تواجهنا!
عزيزي القارئ؛
هذه الدروس زهور قد تفتحت ورأيتُ جمالها، وهناك زهور لم تتفتح بعد، وسنراها عمّا قريب! داخل بستاننا المحفوف بالتفاؤل والمفعم بالآمل بأن القادم أجمل وأفضل وأروع بإذن الله!
ونختم بهذه القصة الجميلة،
ذهب عيسى -عليه السلام- يومًا والحواريين معه
فأتوا على جيفة كلب أصبحت رائحته (نتنة) فأخذ الحواريين بآنافهم (اغلقوا آنافهم) حتى اجتازوا الكلب (لأنهم تأذوا من راحة تعفن الكلب)،
أما سيدنا عيسى لم يفعل!
فقالوا بعد أن تجاوزوا هذه الجيفة ما أشد نتن هذا الكلب!
فقال: عيسى ما أشد بياض أسنانه!
فقالوا له: يا نبي الله كيف تقول هذا؟
فقال: أريد ان لا أعود لساني الذم.
بنفس الظروف ونفس المكان والزمان، لاحظ كيف نظروا! وكيف نظر عيسى عليه السلام!
من داخل تلك الجثة المتعفنة والتي فاحت رائحتها وأصبحت مؤذيه، استطاع أن يُخرج شيئًا واحدًا ليكن هذا هو مفهوم النظرة الإيجابية تجاه كل شيء ولو كان سيئًا!
ختامًا، نحن لا نبحث عن الإيجابية من أجل أن نريد أن نكون مثاليين فلا يوجد (بشر كامل)!
ولكننا نبحث عن الإيجابية لأننا نستحق أن نعيش وتعيش معنا مشاعرنا المتفائلة دومًا وهي بحالة إيجابية!
بقلم: عبدالله بن محمد القرني
Twitter; @AbdullahAlBlker