خلال فترة إجازة عيد الفطر المبارك وأنا أتطلع مكتبتي التي تحوي على عدد لا بأس به من الكتب بمختلف الثقافات الغربية والعربية والآسيوية، استوقفني مجلد من الثقافة الصينية يتناول حديث شيق دار بين أحد العلماء وطلابه عن أركان الدولة ومقاومتها.
فالعالم هو الفيلسوف الصيني "كونفيشيوس" الذي عاش في 500 ق.م يرد على أحد طلابه وهو "في كونغ"، على سؤال ربما لا يزال يشغل أذهان العديد من الأناس في وقتنا الحاضر وهو ماهي مقومات الدولة وأسس بناءها، وهذه القصة مذكورة كذلك في مجلد ضخم للمؤرخ الأمريكي الكبير "بول جورنت" في موسوعته قصة الحضارة ، ويجيب الفيلسوف الصيني بأن هناك 3 شروط فالأول هو توفير القدر الكافي من القوت والطعام للشعب أما الثاني هو توفير القدر الكافي من التجهيزات العسكرية ، ثم القدر الكافي من الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم ، ليسأل الطالب الفيلسوف ، وما هو أهم شرط من هذه المقومات ، ليرد قائلا: بأن الثقة هي الأهم فإذا ضاعت بين القيادة وشعبها ضاع كل شيء ، تضيع الدولة والشعب والقيادة، لأن الجميع يعيش في بوتقة واحدة ، والحبل المتين الذي يربط بينهم هي الثقة.
هذه القصة القصيرة تلخص كلمات عديدة عن الثقة ، التي إذا غابت عن أي شيء عابته في الأسرة في العمل في التعليم ، حتى في العلاقة بين الأب وأولاده، فإذا غابت أصبح المقيم الأبدي هو الشك .
وإذا حل الشك إنهار الإنجاز ، ولم يكن هناك أي تبادل صادقا منتجاً بين أفراد أي كيان، ولكى نحقق الثقة فإن هناك عدة متطلبات على رأسها النزاهة ، وهنا لا ننسى قرار سمو ولى العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بتشكيل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة" لتعزيز الثقة بين الهيئات الحكومية والمواطنين.
ومن المتطلبات كذلك الكفاءة، وتطبيق النظام ، لتتحقق سرعة الإنجاز و النجاح وقد لامسنا ذلك، في شدة أزمة كورونا عندما تمكنت وزارة الصحة من إنجاز عملها على أكمل وجه والدليل عودة الحياة تدريجياً بالمملكة إلى الحياة الطبيعية، وإنجاز رجال الأمن في تطبيق أمر منع التجول لحماية المواطنين من الإصابة بالفيروس.
وفيما يتعلق بدرء الخلافات ، فلا يخلو أي كيان من الخلافات لكن هناك فرق بين خلافات تمر مرور الكرام وبين خلافات مبنية على الشك الذي يؤدى إلى مزيد من الصراعات والتفكك.
و تعد الشفافية من أهم مكاسب "الثقة" وأيضا الصدق، فالمرؤوس يصدق رئيسه والعكس ، الشعب يصدق قيادته وأيضا العكس صحيح ، وهو ما يضمن الأمن المجتمعي الشامل .
عبدالعزيز بن رازن