لأول مرة في تاريخه يهوي سعر برميل النفط الخام، و هو هنا خام غرب تكساس الوسيط إلى أقل من الصفر دولار، و يعني ذلك أن سعره بالسالب في سابقة تاريخية ترسم ملامح أزمة النفط الامريكي و العالمي في زمن كورونا
حيث بلغ سعر برميل نفط غرب تكساس الأمريكي الوسيط (WTI) سالب 37.63 دولار ($ 37.63-) يوم أمس الاثنين مع إغلاق التعاملات في سقوط حر لم يسبق له مثيل في مجال صناعة النفط الأمريكية و العالمية و هو أمر له من التبعات الوخيمة ما سوف يؤثر حتما على أسعار النفط العالمي
و لهذا الوضع الكارثي أسبابه، فنتيجة لأزمة انتشار وباء كورونا العالمية و التي أدّت إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط مع امتلاء الخزانات و الصهاريج حد التخمة ما أدى إلى بلوغ الاحتياطات الأمريكية من النفط حدها الأقصى و هو ما دفع أصحاب العقود إلى بيعها بسعر دون الصفر دولار تجنبا لخسارة أكبر حيث أن تكلفة التخزين مع عدم توفر أماكن لذلك ستكون أكبر من تكلفة و خسارة بيع العقود بالسالب
لكن للأمر أيضا أسباب أخرى تتعلق بخطوط الشحن و الإمداد، حيث أن نفط تكساس الخام يتم تصديره عبر البر و قد أدى إغلاق الحدود نتيجة انتشار وباء كورونا إلى انعدام أي وسيلة لنقله و تصديره و بذلك انهارت أسعاره، و في المقابل مثلا نجد أن خام برنت رغم تراجع أسعاره إلا أنه متماسك نسبيا عند 26 دولار في حين أن الفارق الطبيعي و العادي بينهما لم يتجاوز تاريخيا ما بين 1 إلى 3 دولار و هو ما يُؤكد أهمية وسائل الشحن في انهيار سعر خام تكساس إذ أن خام برنت يتم شحنه بحرًا و الشحن البحري لا يزال متواصلا رغم الأزمة
أما السبب الرئيسي (فيما يخص خام تكساس) فهو متعلق أساسا بعقود النفط الآجلة حيث تنتهي صلوحية عقود خام تكساس اليوم الثلاثاء كونها عقود آجلة قصيرة الأمد و هو ما دفع المستثمرين إلى بيع العقود بأي سعر قبل انتهاء صلوحيته و هو ما أغرق السوق وأودى بالأسعار إلى الهاوية، و هذا ما يعني أيضا أن هذا السعر الكارثي لخام غرب تكساس يتعلق فقط بعقود شهر مايو و التي تنتهي صلوحيتها الثلاثاء و هي عقود أراد المستثمرون الذين قاموا بشرائها في يناير و فبراير و مارس بيعها و التخلص منها بسبب توقف عمليات الشراء جرّاء إغلاق الحدود و انعدام السعة التخزينية لقبولها، و على هذا الأساس قد يخطئ البعض في الظن بأن أسعار النفط الأمريكي بأنواعه دون الصفر دولار للبرميل و أن الأمر متاح لمن يرغب في شحنه و نقله مجانا، فالنفط الذي بلغ سعره دون صفر دولار هو خام غرب تكساس فقط حيث أن خام برنت لا يزال على 26 دولار للبرميل، زد على ذلك أن النفط الذي انهارت أسعاره دون الصفر يتعلق فقط بعقود شهر مايو التي تنتهي الثلاثاء لتبدأ أسعار النفط لعقود شهر يونيو يوم غدٍ الأربعاء بنحو 20 دولار للبرميل و هو السعر الحالي لهذه العقود ما يعني أن خام تكساس سيكون أعلى قليلا من هذا السعر الافتتاحي تقريبا
و رغم أن هذا الهبوط الكارثي في أسعار النفط الأمريكي و الذي سبّبه و حسب خبراء المجال الوضعُ الفنيّ لعقود النفط الآجلة إلا أن تراجع الطلب و التخمة في المعروض العالمي للنفط ساق إلى أزمة عالمية للطاقة تتجاوز النفط الأمريكي أو السعودي أو الروسي فأسعار النفط تراجعت بنسبة 65% في الربع الأول من هذا العام و هو ما سيستمر على الأرجح مع استمرار أزمة كورونا التي فرضت على بلدان العالم إغلاق حدودها و فرض التباعد الاجتماعي رغم إتفاق أوبك+ على خفض الإنتاج العالمي (العرض) بنحو 9.7 مليون برميل نفط يوميا بل إن إغراق السوق مثلما هو عليه اليوم قد يؤجل تعافي صناعة النفط رغم بوادر عودة الحياة إلى طبيعتها في الصين بعد أن قلّص الفايروس التاجيّ حجم استهلاكها و رغم كبح الإنتاج .
عبد الفتاح بن عطية