مضى زمن طويل و نحن نجر خيباتنا، نعلق أمنياتنا ،نهرع خلف مجهول يتربص بنا... مضى زمن طويل و نحن نجتر الماضي... نشتم الحاضر و نتأمل في المستقبل... نحاول جاهدين اللحاق بالنقطة المعادلة بالهدف المجاور لإمكانياتنا و بالنيزك الذي كان قد غادر المجموعة الشمسية دون إدراكنا حتى
لم نتوقف من قبل و لو لمهلة من الوقت لنستوعب أنه زمنا طويلا قد مضى فعلا و مضت معه الإنسانية بأكملها تنتظر حدثا يزعزع استقرارها ..يدغدغ مبادئها ... يراجع حصيلتها ... يلملم أفكارها المشتتة
و يعود بها إلى نقطة البداية !
أتى كورونا المتناهي في الصغر لتسقط أجسامنا المتناهية في الكبر, هذه الأجسام الهرمة, المتعالية و المتباهية بما حققته من إنجازات لا داعي لإحصائها ! كلفنا الأمر عملية فطام بأكملها... فطام من روتين في يوم من الأيام خضنا غماره بشغف أحيانا قليلة و بعذاب لذيذ أحيانا كثيرة...
كنا نستيقظ كل صباح دون تناول الفطور و حتى لو فعلنا... كان ذلك بلهفة و بسرعة فائقة; لنلحق بالطرقات قبل أن تلتهم فرائسها... نتوهم ولوجنا رحلة الإهراع نحو النجاح
غداة كل صباح كنا نهرول و نتسارع من أجل شيء لو سألونا عنه الآن لما تمكنا من الإجابة... شيء خفي مستتر و متستر خلف رغباتنا... خلف حاجاتنا أو بالأحرى خلف لقمة العيش!
انكتلنا وراء مخلفات الرأسمالية بكل شغفها و ارتدينا قالب الفتنة ... كل ما هو غير عادي أصبح عاديا و متداولا !
كان و لابد من جرعة الألم هذه ليندم جارنا المسجون عن موت أمه دون رؤيتها... ليعود أب صديقتي أدراجه و يصالحها... ليراسل المحب محبوبه بعد انقطاع ! كان و لابد من أن تموت أحبتنا و نمنع من تشييد الجنائز لنشعر بنزعة الحياة الفارطة; يوم كنا نمارسها بشكل اعتيادي...!
نزعة الزحمة في الشارع...أصوات الباعة المتجولين ... قهقهات نادل المقهى العجوز...نزعة تأخر الضوء الأخضر للمرور
نعم! كل هذه الأشياء كانت لذيذة في عفويتها و في وجودها الدائم و المستمر! ها نحن اليوم عندما انقطعت...تلبسنا الألم و الندم... و شيء من نوستالجيا... كأننا نروي التاريخ مع أن المسألة للتو مرت عليها بضعة أسابيع و لم نتحمل !
توقف كل شيء عن الحركة,على حين غرة... وجدنا أنفسنا نغوص في التفاهة ... منشغلين بملء البطون بكميات زائدة و كفى... هل فكرنا يوما في معنى لحياتنا ؟ هل تجاوزناه لبلوغ المعنى وراء المعنى؟ لا أذكر ! هوس النحافة و نفخ العضلات... هاجس المكان الذي سنقضي فيه العطلة أو بالأحرى هاجس الصور التي سنلتقطها .. متى؟ أين و كيف؟
و أكثر! هاجس "البروتوكولات" الزائفة التي تكشف عن عقد اضمحلت و أحييت في زمن لم يعد للمعنى أثرا و أحرزت السّطحية فيه قصب السبق !
الآن ! و مما لا شك فيه أن لهذه الأزمة مخلفات و ثمن سنؤديه كفاصل يحسم بين حقوقنا و واجباتنا...
ما لنا و ما علينا! لهذا نرجو أن ننجو من مخالب الواقع و في الأخير تبقى الحياة أملا خلابا !