أكد الناقد الدكتور سحمي الهاجري أن الرواية أنزلت الفلسفة من برجها العالي وجعلتها تمشي بين الناس .
جاء ذلك في محاضرته النقدية التي نظمها النادي الأدبي الثقافي بالطائف مساء أمس الثلاثاء ضمن فعاليات جماعة فرقد الإبداعية بالنادي بإدارة الناقد الدكتور سعد البازعي والتي حملت عنوان :سر الرواية الثانية (حفريات في بنية التلقي) و شهدت حضورا غير متوقعا لمثقفي ومثقفات الطائف ومكة المكرمة …
وقد بدأ الدكتور سحمي الهاجري حديثه بوضع عدد من المحددات البحثية كان أولها :
اختيار (عملية الإبداع) لتكون هي الإطار الذي يدور فيه الحديث.
و المحدد الثاني اختيار( فعالية التلقي) تحديدا لأنها مالئة الدنيا و شاغلة الناس .
وثالثا: الاستشهاد بظاهرة دلالية مكثفة .. تتعلق بما يحدث في ساحة التلقي عند صدور الرواية الثانية للروائي ، وذلك لسببين:
الأول: لتكون أداة تكشف لنا جوانب مهمة من طبيعة ( ديناميات عملية التلقي)..( وهذا هو سؤال الدراسة الأساس ).
والثاني : لتكون نافذة تفتح لنا الاستشهاد بأمثلة تطبيقية من الرواية المحلية .
وقد وزع الدكتور الهاجري الحديث على قسمين :تنظيري ركز على موقع فعالية التلقي من عملية الإبداع والقسم الثاني تطبيقي استشهد فيه بأمثلة روائية شهيرة في أدبنا المحلي وقد فرق الدكتور الهاجري بين نوعين من أنواع التلقي وهو التلقي النقدي والتلقي العام قائلا : إن التلقي النقدي هو الذي يقوم به النقاد والباحثون والدارسون وهو التلقي الذي يمكن البحث عنه والرجوع إليه وقياسه والاعتماد عليه، أما التلقى العام فهو تلقى جماهير القراء فيصعب قياسه إلا بواسطة وسائل غير مباشرة مثل قوائم الكتب الأكثر مبيعا وتعدد الطبعات وغير ذلك.. ثم تحدث عن رواية (التوأمان ) لعبد القدوس الأنصاري 1930م التي تعد الرواية المحلية الأولى ، والرواية الثانية محليا (الانتقام الطبعي) لمحمد نور عبد الله الجوهري التي صدرت بعد رواية الأنصاري بخمس سنوات في عام 1935م والتي أثرت في ساحة تلقي النقد وأثرت تأثيرا كبيرا سواء لدى النقاد القدامى أو النقاد المعاصرين حيث استخدم الأدباء الأوائل مثل محمد حسن عواد هذه الرواية الثانية في معاركهم الأدبية مع الأنصاري وفضلها على روايته الأولى نكاية في الأنصاري.
وعن الرواية الثانية قال الدكتور الهاجري أن من المثير جدا أن سلطة الرواية الثانية تؤثر على ساحة التلقي سواء صدرت (الرواية الثانية) أو لم تصدر ولعل من أشهر الأمثلة في هذا الباب رجاء الصانع وروايتها ( بنات الرياض ).. و(صندوق بندورا) الذي انفتح لتخرج منه عشرات الأسئلة ..
لماذا لم تكتب رجاء الصانع رواية ثانية ..؟.. هل تخاف من إصدار رواية ثانية..؟ … ما دامت لا تستطيع إصدار (رواية ثانية) فمن كتب لها الرواية الأولى؟
و هذا الفراغ الكبير الذي تركه عدم إصدار رواية ثانية بعد النجاح المدوي للرواية الأولى فتح بوابة التلقي على مصراعيها فدخل المتطفلون والوعاظ والكتاب وألفت الكتب لتتحدث عن مؤامرات أجنبية .. إلخ .
و أطلق الدكتور الهاجري سؤالا محوريا : ما هو سر الرواية الثانية ؟و لماذا يحدث كل هذا الاهتمام بالرواية الثانية ؟ ولماذا تمر الرواية الثالثة والرابعة بنوع من الهدوء والتسليم باكتمال شخصية الروائي أو الروائية؟ أليس معنى هذا أن صدور الرواية الثانية يستدخل طاقات من نوع خاص مثل طاقات الإضافة والتأكيد أو النفي والتفنيد أو انفتاح الطريق أو انعطاف المسار .. ، وإذا بحثنا عن أضخم الأسئلة في هذا السياق نجده دائما يتوجه إلى الرواية الأولى خصوصا إذا كانت رواية ناجحة حيث يقول جون برين عن الرواية الأولى” فرص النجاح مع الرواية الأولى أكبر من غيرها .. فالرواية الأولى لها نكهة خاصة لا تملكها أي رواية لاحقة حتى لو كانت أجود من الأولى بكثير فصوتك صوت جديد لم يسمعه أحد من قبل و قصتك قصة جديدة لم ترو من قبل وإذن فليس بإمكانك أن تروي قصة أخرى بالطريقة نفسها إلا إذا كنت تقدر أن تفقد عفافك مرتين” .
إذن تصبح الرواية الأولى إذا كانت ناجحة حاجزا و معيارا للمبدع والمتلقي وقد يسير الروائي بعدها في خط صاعد أو يسير في خط أفقي أو يسير في خط النازل ، والمبدعون الذين يسيرون في خط صاعد ينقسمون إلى قسمين :
– أما أن يكون الروائي ذا موهبة ولكنه ليس صاحب مشروع.
– وأما أن يكون ذا موهبة وصاحب مشروع .
واختتم حديثه بمثالين رئيسيين وقال : إنه يرى أنهما نموذجان عاليا التمثيل في هذا الباب وهما رواية ليلى الجهني الثانية بعنوان ( جاهلية) التي صدرت عام 2007 م التي صدرت بعد روايتها الأولى (الفردوس اليباب ) والمثال الثاني رواية محمد حسن علوان الثانية ( صوفيا) التي صدرت عام 2004م بعد رواية (سقف الكفاية) 2002م ، وفي نهاية المحاضرة قام الدكتور سعد البازعي بفتح باب المناقشة والأسئلة للحضور حيث تداخل عدد كبير من مثقفي ومثقفات الطائف ومنهم الدكتورعالي بن سرحان القرشي والدكتور عبد العزيز الطلحي من مكة المكرمة والدكتور أحمد الهلالي رئيس جماعه فرقد والروائي محمد محسن الغامدي والأستاذ عبد العزيز عسيري والدكتور أحمد نبوي والدكتور راشد القثامي والدكتور سلوم النفيعي كما تداخل رئيس النادي الأدبي بالطائف الأستاذ عطا الله الجعيد بمداخلة أخيرة والذي طلب من ( رفيقي الدرب ) الدكتور أحمد الهلالي والأستاذ عبد العزيز عسيري لمشاركته في تكريم الدكتور سحمي الهاجري والدكتور سعد البازعي بدرعين تقديريين ثم أخذت بعد ذلك صورة تذكارية جماعية.