أورد الثعالبي رحمه الله في كتابه: (اللطائف والظرائف) في مدح المشورة قول الحسن البصري رحمه الله : إنَّ الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالمشورة، ولا من حاجة منه إلى آرائهم، وإنما أراد عزّ اسمه أن يعلمنا ما في المشورة من الفضيلة، حيث قال سبحانه: ( وشاورهم في الأمر ) سورة آل عمران، الآية: 159.
ثم، إنَّ الإنسان لا يستغني عن مشورة نصيح له، كما أنَّ القوادم من ريش الجناح تستعين بالخوافي منه، كما قال بشار بن برد في ذلك:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
|
بحزم نصيح أو نصاحة حازم
|
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
|
فريش الخوافي تابعٌ للقوادم
|
قال الأصمعي: قلت لبشار: رأيت رجال الرأي يتعجبون من أبياتك في المشورة، فقال: أو ما علمت أنَّ المشاور بين إحدى الحسنيين، صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه. فقلت له: أنت والله في هذا الكلام أشعر منك في شعرك.
قال الجاحظ: المشورة لقاح العقول ورائد الصواب والمستشير على طرف النجاح واستنارة المرء برأي أخيه من عزم الأمور وحزم التدبير.
وقال ابن المعتز: مَنْ أكثر المشورة لم يعدم عند الصواب مادحاً وعند الخطأ عاذراً.
وقال عبد الملك بن مروان: لأن أخطيء وقد استشرت أحبّ إليّ من أن أصيب وقد استبددت برأي من غير مشورة.
وكان يقال : ما استنبط الصواب بمثل المشورة ولا خصبت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضة بمثل الكبر.
وجاء في ذم المشورة هذه الحكاية: قال إلياس ابن اسحاق: شهدت أحمد بن اليماني وقد استشاره رجل في بعض الأمور فامتنع من الإشارة، وقال: هذا أمر لا يلزمني. قلت: وكيف وقد سمعت الله يقول: ( وشاورهم في الأمر ) فقال: إنّ للإشارة آفات وأنا أحذرها، وذلك أني إذا أشرت على رجل بشيء لم يخل من قبوله له أو رد، فإن قبله لم يخل من أحد أمرين: إما أن يقع صواباً، فينتفع به أو خطأ فيتضرر به، فإن وقع صواباً وانتفع به، لم آمن أن يداخلني في ذلك عجب وأن توهمني نفسي أني قد سقت إليه خيراً، وإن وقع خطأ وتضرر به، لم أعدم منه لائمة وذماً، فإن لم يقبله، لم يخل أيضاً من أحد أمرين:
إما أن ينجح أو يخفق، فإن أنجح أزرى بي واتهمني في مشورتي، وإن أخفق أو ناله ضرر، لم آمن من نفسي الشماتة، وإنَّ أمراً تعتوره هذه الآفات، فتركه أسلم.
وكان عبد الملك بن صالح يقول: ما استشرت أحداً قط إلا تكبّر عليّ وتصاغرت له، ودخلته العزة ودخلتني الذلة، فإياك والمشاورة وإن ضاقت بك المذاهب، واشتبهت عليك المشارب، وأداك فرط الاستبداد إلى الخطأ والفساد.
وهذا عبد الله بن طاهر يقول: ما حك ظهري مثل ظفري ولأن أخطيء مع استبداد ألف خطأ أحبُّ إليّ من أن أُرى بعين النقص عند المستشار.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية