يبدأ العدد الأكبر من كتب الاقتصاد بالآتي: علم الاقتصاد هو توزيع الموارد النادرة بين المنافسين. أو كما جاء في الكتب المنهجية والمستعملة بكثرة؛ إن علم الاقتصاد هو دراسة كيفية تحديد المجتمع لما سينتجه وكيفية انتاجه والمستفيد من هذا الانتاج.
تعتبر هذه التعريفات رائعة وهي بدون شك صحيحة بقدر ما يمكن الجزم به، مع أن بها عيبين مهمين، الأول هو أنك لن تستطيع فهم معنى هاتين العبارتين إلا عندما تدرس الكثير من علم الاقتصاد.
والعيب الثاني هو كونهما ، محدودتين للغاية.
إن علم الاقتصاد يشكل حياتنا اليومية ويتحكم فيها، حتى لو لم نكن على وعي بذلك. فهذا العلم يشمل كل شيء، لكن هذا لا يعني أننا رجالاً ونساءً نعيش كخبراء في الاقتصاد أو أن هواجس المال تستحوذ علينا، ولكن يعني أنه ينبغي التعرف على علم الاقتصاد ولا مفر من ذلك.
لذا , يتأثر الكثير من الناس من فكرة كون السلوك الإنساني قابلاً للتنبؤ به. بالتأكيد سيزعم الغالبية أن الواقع هو عدم القدرة على توقعه. فمن الممكن تقبل وجود الرجل والمرأة من ذوي المنطق الاقتصادي السديد في الكتب المنهجية، ولكن هل من الممكن أن يكونا موجودين في الواقع؟
وبصرف النظر عن حقيقة عدم وجود شيء ما عشوائي في أسلوب معيشة النمل، فإن جوهر علم الاقتصاد هو اتباع السلوك الإنساني لأنماط معينة متوقعة.
فعندما ينخفض سعر منتج من المنتجات مثلاً، يميل الناس عادة لشراء المزيد منه. ولا يدل ذلك على أي شيء مدهش أو يصعب فهمه، ومع ذلك فقد يرى بعض الناس أن ذلك ليس سوى هراء علمي.
فهذا دينيس هيلي لم يكن مقتنعاً بفوائد علم الاقتصاد ككل، إذ كتب في سيرته الذاتية: لقد قررت أنه في حين تعطيك النظرية الاقتصادية رؤى قيمة لما يحدث، فإنها نادراً ما تعكس قواعد واضحة لأداء الحكومة، لأن السلوك الاقتصادي قد يتغير من عام لآخر، ويختلف من دولة لأخرى.
لم يكن هيلي مزعجاً بقدر ما أظن، فقد كانت الفكرة الأساسية التي يعتمد عليها أن السلوك الاقتصادي يتغير من عام لآخر ويختلف بين الدول، وهو الأمر الذي لا يصعب فهمه على خبراء الاقتصاد.
كتب ستيفن لاندسبيرج في كتابه (فيلسوف الاقتصاد) في كلمات مختصرة: الناس تستجيب للحوافز.
إن علم الاقتصاد في جذوره هو دراسة الحوافز، كيف يحصل الناس على ما يريدون أو ما يحتاجون، لا سيما عندما يكون أناس آخرون يريدون الشيء ذاته، أو يحتاجونه؛ والاقتصاديون يحبون الحوافز، يحبون أن يحلموا بها وأن ينفذوها ويدرسوها.
ومن أكثر الأمثلة وضوحاً فيما يخص الحوافز ما جاء وصفه فيما سبق، فعندما ينخفض سعر منتج معين نميل إلى شراء المزيد منه. وبالطبع هناك استثناءات لهذه القاعدة، بَيْدَ أنها ليست بالكثيرة.
سؤال مهم: لماذا نشتري الكثير من شيء ما عندما ينخفض سعره؟ يتقيد غالبية الناس بمستوى دخولهم وما يستطيعون إنفاقه، وبسبب هذا التقيد نحدد ما ننفقه على أساس الضرورة والرغبة.
أما الان فقد حان الوقت لمناقشة لغز بسيط؟! ما الذي يحدِّد كيفية إنفاق نقودنا. لماذا نفضل بعض الأشياء على غيرها؟! قد تكون إجابة بعض الأفراد على هذه الأسئلة: الحاجة. لكن هناك شيء آخر يحدد كيفية إنفاق أموالنا وهو الذوق، أذواقنا الشخصية.
ففي دراسة إحصائية على عينة من الأسر عددها أكثر من 7000 أسرة تبين أنهم ينفقون على وسائل الترفيه أكثر من إنفاقهم على مأكلهم.
وبَعْدُ، فإننا ما زلنا نحتاج إلى الإجابة على السؤال: لماذا ننفق أموالنا بهذه الطريقة؟. قد يبدو ذلك تافهاً ولكن شغل هذا الأمر بال العدد من خبراء الاقتصاد. فلقد اهتموا بقدر الإشباع أو المنفعة التي يتحصل عليها الأفراد من استهلاك الأشياء.
وقد اعتقد بعضهم أنه من الممكن قياس ذلك. لكن الحقيقة تقول إن قانون تناقص المنفعة الحدية لا ينطبق على كل شيء. فمن الأمور الممتعة التي يكشفها علم الاقتصاد، التفكير في استثناءات لكل قاعدة.
ختاماً يمكن القول إن الفكرة الأساسية هي أن الحوافز جزء أساس من علم الاقتصاد. ويمكن توصيلها لمجالات أخرى في الحياة.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية