مثلما يحدث في فترة التغيرات التقنية السريعة، فإن كثيرًا من الأسر تفضّل تحديد أثاثها أو سياراتها؛ مما يؤدي إلى انخفاض الميزانية المخصصة لأطفالها، وينتج عن ذلك انخفاض في نسبة المواليد.
ولذا، قام جاري بيكر وروبرت بارو ببناء نموذج حسابي يسمح بتحليل تطور معدل الخصوبة، إضافة إلى التقدم التقني، فظهرت عوامل عديدة، مثل: درجة تضحية الوالدين، والنمو، ومعدلات الفائدة والأعباء الاجتماعية تؤثر في نسبة المواليد.
وذلك لأن وجود الأطفال يضع المرء في النهاية في موقف اختياري بين الاستهلاك الفوري، والاستهلاك المؤجل لصالح الأطفال.
وكلما ارتفعت معدلات الفائدة الفعلية، حرصت الأسرة على الادخار، وخفضت الاستهلاك؛ مما يؤثر إيجابيًّا على عدد المواليد.
وعلى العكس، فإن زيادة الأعباء الاجتماعية على الموظفين يخفض الادخار، ويؤدي إلى فُقدان الرغبة في إنجاب الأطفال.
إنّ زيجات الماضي التي نظمتها الأُسرَ كانت تقلل من فحص الخطأ، وحالات القلق، والتفكُّك الاجتماعي. أما عصرنا هذا فيشهد أكبر عدد من زيجات الحب، ومن المفارقات أنه يشهد أيضًا أكبر عدد من حالات الطلاق.
إنّ أول من بيّن أهمية رأس المال البشري؛ أي: أهمية المعارف، والطاقات التي تعطيها الأسرة للفرد، ويكتسبها من خلال التربية والتعليم - هو الاقتصادي الأمريكي جاري بيكر الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.
وقد اهتم بيكر بالأزواج، وخاصة حالات الزواج والطلاق، وذلك من خلال بحثه الرائد حول «الأسرة»؛ إذ عرض بعض الأفكار التي أزعجت أنصار الحركات النسائية.
خاصة أنه يَعتبر الزواج بمثابة عقد لتوزيع العمل، فكل من الزوجين يتخصص في مجال معين.
وطبقًا للعادات والتقاليد الاجتماعية، فإن الرجل هو الذي يعمل في الخارج، وتبقى المرأة في المنزل للقيام بالأعمال المنزلية، وممارسة الأمومة.
وقد بيّن الاقتصادي الانجليزي دافيد ريكاردو في عصره (القرن التاسع عشر الميلادي)، ومن خلال نظرية المزايا المتوازنة، لماذا يجب أن تتخصص دولتان في التبادل التجاري؛ للحصول على أقصى الفوائد؟
ويطبّق جاري بيكر النظرية نفسها في التبادل غير التجاري الذي يربط الزوج بالزوجة؛ حيث يؤكد أن التخصص فقط هو الذي ينظم موارد الأزواج، ويحقق لهم الرفاهية.
لقد أدى دخول المرأة الواسع في مجال السوق الخارجية إلى إنقاص الربح الاقتصادي للزوج من جهة، وسهولة الطلاق من جهة أخرى.
يقول فيليب ثورو: نستطيع أن نقول بتعبير اقتصادي إنّ خروج أحد الشركاء في الزواج من السوق لم يعد يكلف غاليًا، وبما أنّ الأزواج الشبان يتوقعون أن ينتهي زواجهم بالطلاق، فإنهم لا يحرصون على الإسراع في الإنجاب، كما كان يحدث في الماضي.
ويقول دنجان: يبدو جليًّا أن الزواج لم يعد ربحًا كبيرًا، ويؤكد ذلك العدد الكبير من الارتباطات الحرة وزيادة عدد النساء المسؤولات عن الأسرة، وكذلك ارتفاع عدد المواليد دون زواج.
يبدو وللأسف أنّ هذا التطور يتوارث ذاتيًّا، فترغب الزوجات في العمل كحماية لهنَّ وأولادهن من مصيبة أيّ طلاق محتمل.
ومن الملاحظ أن أجور النساء العاملات أقل من أجور الرجال، وربما كان ذلك؛ لأن الزوجات يكن مشغولات بالمهام المنزلية، فلا يعطينَ الجهد نفسه في نشاطهنَّ المهني، ولذلك فهن يستثمرنَ أقل في الخارج، ويخترنَ أعمالاً تتطلب جهدًا أقل، ولذلك فإن أجورهنَّ تكون أقل.
إنّ عوامل اقتصادية واجتماعية وصحية تؤثر في عدد المواليد؛ إذ لا تقتصر على عمل المرأة فقط، بل تشمل التقدُّم التقني.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التعليقات 1
1 pings
محمد الشيخلي
13/10/2019 في 12:30 ص[3] رابط التعليق
سبحان الله خلق الله الكون وسيره على وفق قوانين محكمة ومتوازنه واعطى لكل خلق من خلقه مهامه وواجباته ، فمن سنته سبحانه في الزوجين ان جعل المراه تقيم باحتياجات الرجل في بيت الزوجية وجعل هيئتها الجسدية ما يناسب ذلك، واعطى للرجل من القوة الجسدية والرجاحة العقلية ما يمكنة من العمل ومواجهة ما في خارج البيت، فاذا خالف الزوجان هذا التنظيم الاسري تعطلت مصالح الزوجين ومصلحة ابنائهم، بل يخرب النظام المجتمعي باكمله (ففِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) )
(0)
(0)