وقف الكثيرون حائرين أمام هذه الكلمة( الحب) و ضعف أمامها الكثير، وتغنى بها الأكثر، و تنازل بسببها غيرهم، و ظهرت حقائق أناس لم تكن تظهر؛ لولا أن سبق لظهورها الحب، لماذا يا ترى هذا الطوفان الجارف من المشاعر، والتنازلات؟ و هل تستحق هذه الكلمة الثلاثية الأحرف ( حُبّ)أن تحدث تلك الضجة؟؟
أم أن من وقف أمامها و حمل معناها في قلبه أصبح أعمى؛ فماجت به في دروب الحياة؟؟ و هل بالفعل هذا هو الأثر الوحيد للحب، أم أن هناك صفحة أخرى له، و جانب أخر يسمو به من يحمل الحب؟؟
أيها القارئ :
الحب من أساسيات الحياة،
فاجعله في قالبه الصحيح، وتذكر دائمًا أن
القلب الذي عرف الحب، لا يمكن أن يكره، لكنه قد يعتب..
و عندما يكون الحب في الله تتلاشى كل العقبات.
و لن تكون ناضجًا وأنت تخلط بين الحب والكره وتربطهما بمخالفة الرأي أو موافقته..
للحب معنى عميق لا يدركه إلا من صدق.
و من يدرك معنى الحب النقي يتساءل:
مالذي يجبر الآخرين، على قطع حبال مودةٍ
قد تنمو مع الأيام ؟؟
الحب مشوار طويل، ولا يمكن أن تقتصر عليه جمل أو كلمات، و لا حتى صفحات.
إن من يعرف المعنى الحقيقي للحب لابد له أن يفرق بين أنواع الحب، أعلاها، و أدناها، ويدرك كذلك أن لا مساوة في ذلك،
فبعد حب الله الأعظم، وحب رسول الله
ﷺ
يأتي حب البشر، وهنا يظهر التباين، و الاختلاف،
أما أنا فحينما أتحدث عن الحب يظهر في قلبي و مخيلتي أعظم اثنين، إنهما : أمي وأبي، و أجزم أنكم مثلي..
لم ينتهي الحب هنا، إنما هناك متباينات في الحب، بحسب تباين العلاقات؛ لذا لا أحد يجزم بصحة الحب إلا أن يتذكر:
( أن يحب المرء لا يحبه إلا لله)
هنا المعنى الحقيقي والنقي للحب.
المنصفون مع أنفسهم ومع غيرهم،
لا ينكرون الحب، لكنهم يلتمسونه، في طريق آمن، و في رضا الله..
(أن يحب المرء لا يحبه إلا لله)..
و الأمر الذي قد يخفى على البعض أن الحب يوجه السلوك والتعامل؛ لذا لا ينبغي أن تتشابك خيوط أي حب و أي تعامل، فحب الوالدين يختلف عن حب الأزواج، و هذا أيضًا يختلف عن حب الإخوة و الأخوات والأبناء، والصداقات...تنظيم اجتماعي مبني على أسس شرعية، ومستند على سيرة عطرة من تأملها وجد فيها تفصيلات، رائعة، راقية للأسرة والمجتمع المسلم.
ولأن أساس كل أسرة هما الزوج و الزوجة أقول لهما :
لا تخلطو بين حب بينكم، و حب بر لوالديكم، وحب عطف و رحمة و تواصل لإخوتكم ، وحب تربية لأبنائكم.
والحب أيًا كان نوعه و هدفه، إن لم تلازمه الرحمة، فسيكون ناقصًا، أو مبنيًا على غير أساسه.
أين نحن أيها القراء من الحب الأسطوري؟
نعم، إنه الحب في موضعه، حب نبينا محمد عليه الصلاة والسلام،عندما سئل:
يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟
قال: عائشة .
قيل: من الرجال؟
قال: أبوها .
تصريح بالحب على الملأ؛ لأن ذلك الحب في موضعه السليم، ليس هذا فحسب؛ بل هناك حبه عليه الصلاة والسلام لخديجة و وفائه لها، و حبه لابنته فاطمة رضي الله عنها، فقد كان يستقبلها حين قدومها و يجلسها مكانه.
لقد شمل حب الرسول ﷺ كل من حوله،
و إذا أردنا أن نبحث عن كيفية الحب الحقيقي؛ فلنقرأ سيرته العطرة، و إذا تمثلنا ما جاء فيها، هنا نقول كما قال الشاعر:
ليس عارًا بأن نحب ولكن
آفة الحب أن نرى الحب عارا
أخيرًا..
لست فقيهًا، لكن..تقبلوا مني هذا الموقف، و هذه الفتوى :
ذات يوم ، ومع جرس نهاية الحصة،
سألتني إحدى طالبات المرحلة المتوسطة، _ و هي من قلائل الجنسيات التي درّستُها_ وبكل براءة :
( أستاذة، الحب حرام؟)
توقفت أمام هذا السؤال، وأنا أنظر لابتسامتها الطفولية، و عدت ثانية إلى الفصل، لتبدأ أطول، و أقصر حصة في ذات الوقت، عن الحب..
سألت الجميع نفس السؤال: ( هل الحب حرام) وكان الفصل يحوي جميع الجنسيات التي لا تخطر على بالك أيها القارئ الكريم ، و ما بين مترددة ، و مبتسمة، و خجلى، قلن بصوت واحد :
لا...
قلت: لماذا يخجل منه البعض؟
هنا صمت الجميع..!
و لأن الوقت يداهمني، وقت إنصات الجميع قلت:
أعظم حب( هو حب الله تعالى)
ثم ( حب الرسول ﷺ)
ثم ( حب الوالدين)
بعدها يا عزيزتي : حبي من شئتِ في حدود ما شرع الله..
فلنكن كذلك.