يرى محللون اقتصاديون أن تعرض معامل شركة أرامكو في بقيق وخريص لهجوم بطائرات مفخخة بدون طيار سيكون له عواقب وخيمة على سلامة امدادات النفط السعودية التي تعد الشريان الرئيسي للاقتصاد العالمي. فهذا الهجوم يشكل تهديدا خطيرا لمنابع النفط، وينذر بحدوث أزمة عالمية تتأثر بها جميع اقتصادات الدول بما فيها الدول الكبرى. وحينما تصل الأمور الى هذا الحد فان الأزمة لن تكشف إفلاس كثير من الأفراد والشركات فحسب وإنما قد تجلب الإفلاس للدول الصناعية الكبرى وتؤدي الى الانهيار الواسع للأنظمة السياسية والاقتصادية للدول. وأعتقد أنه في حال لم تلتزم الدول الكبرى بمسئولياتها تجاه أمن المنشآت النفطية السعودية التي تشكل محور مصادر الطاقة العالمية، فان النتيجة ستكون اعلانا لنهاية الدول المستوردة للنفط من حيث أنها ستتكبد خسائر فادحة وعبء لا يحتمل من الديون الكبيرة.
وحينما تضرب الأزمة، فان الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا ودول أوروبا لن تكون محصنة ضد الأزمات الاقتصادية، وسوف تعاني هذه الدول من أزمة دين عظيمة تبتلع اقتصاديات الدول الأخرى في الدوامة وتخرب النظام المالي العالمي، وحينئذ ستندلع الصراعات والجريمة وعنف العصابات.
ويعتقد خبراء النفط أن الاقتصاد العالمي سيمر بمرحلة حرجة للغاية نتيجة لتعرض أهم امدادات الطاقة لهجوم بالطائرات المسيرة. وبما أن حجم العرض من امدادات النفط السعودي في أسواق النفط العالمية يصل الى 10% أي أن عشر المعروض العالمي من الطاقة يأتي من المملكة العربية السعودية التي تنتج أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا لإمداد العالم بأهم مصادر الطاقة من النفط والغاز لضمان استقرار الأسواق في الاقتصاد العالمي.
وفي الوقت الذي وصل فيه سعر برميل النفط الى 60 دولار للبرميل، فقد أدى هذا الهجوم وفقا لخبراء اقتصاديين الى خسارة الاقتصاد العالمي لما تبلغ قيمته 350 مليار دولار يوميا نتيجة لتوقف انتاج 50% من اجمالي انتاج شركة أرامكو من النفط يوميا. واليوم وخلال كتابة هذا المقال فقد قفزت أسعار النفط وفقا لوكالة رويتر الى أعلى مستوياتها منذ أربعة أشهر بعد أن أدى الهجوم على منشأتين نفطيتين سعوديتين الى خفض امدادات النفط في العالم بنسبة 5%. وكانت شركة أرامكو خفضت انتاجها للنفط الى 5.7 مليون برميل يوميا, في الوقت الذي تستعد الشركة لما يتوقع أن يكون أكبر اكتتاب في تاريخ الأسواق العالمية.
ووفقا لما أوردته الوكالة، فقد قفز خام برنت في بداية تعاملات اليوم16/9/2019 بنسبة 19 في المئة الى 71.95 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس بنسبة 15 في المئة الى 63.34 دولار. وكانت أسعار النفط انخفضت بنسبة ضئيلة بعد أن وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على استخدام الاحتياطي الأمريكي.
وبما أن العالم على مشارف فصل الشتاء حيث يزداد الطلب العالمي على النفط والغاز، فان أسعار النفط ستكون مرشحة للارتفاع في ظل ازدياد حاجة دول العالم للمشتقات النفطية المستخدمة للتدفئة في فصل الشتاء. كما يتوقع أن ترتفع الأسعار في ظل تعرض منشأتي بقيق وخريص الى هجوم أدى الى حدوث احتقان شديد في حركة تدفق النفط عبر الأنابيب التي تنقل الذهب الأسود من قلب العالم الإسلامي الى جميع انحاء العالم. هذا الاحتقان أو التوقف في الإنتاج يشبه الى حد كبير حدوث انسداد في الأوعية والشرايين التي تنقل الدم المحمل بالأكسجين والغذاء من القلب الذي يضخ الدم الى جميع أجزاء الجسد.
نتساءل الآن عن سبب وقوف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي إزاء ما يجري لمنابع النفط، كما نتساءل عن سبب استهداف قلب العالم الإسلامي بهذه الطائرات وبهذه الطريقة الجبانة والغادرة. فاعلان حركة التمرد الحوثية في اليمن عن مسئوليتها في هذا الهجوم لا يمكن أن يصرف الأنظار عن نظام طهران الذي يخطط ويدعم ويمول ويزود المليشيات الحوثية وغيرها من المليشيات والأحزاب بهذا النوع من الطائرات لشن الضربات نيابة عنه. ووفقا لخبراء عسكريين - فان طائرات "درون" تحلق الى ارتفاع يصل الى 10.000م – 15.000م مما قد يصعب على أنظمة المراقبة رصدها والتعامل معها في حينه.
وانطلاقا من هذه المعطيات الاقتصادية سوف أحاول القاء الضوء على دوافع هذا الهجوم من الناحية السياسية والجيوسياسية. فقد يتبادر الى الذهن أولا استحالة أن تقطع هذه الطائرات مسافة تصل لأكثر من 1000 كم إذا ما افترضنا أنها انطلقت من اليمن جنوبي السعودية. ولذلك يكون السيناريو المحتمل الآخر هو انطلاقها من إيران أو العراق كونهما أقرب جغرافيا لنقطة حدوث الانفجار في بقيق. وبما أن العالم يدرك أن إيران هي تلك الدولة المارقة التي تغذي المليشيات الحوثية المتمردة لتبقى على قيد التمرد من أجل زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية وتحديدا منطقة الخليج العربي، فان أصابع الاتهام تشير الى نظام طهران تحديدا. يبدو ذلك واضحا من خلال التحرش بناقلات النفط عند مرورها بمضيق هرمز كما ذكرت سابقا في مقال بعنوان " التحرش الإيراني بناقلات النفط"، وهو ذلك المضيق الذي لازالت إيران تهدد بغلقه أمام السفن التجارية إذا ما استمرت العقوبات الأمريكية عليها أو منعت من تصدير الأسلحة من خلاله كما حدث للسفينة الإيرانية غريس 1 التي احتجزت قبل نحو شهر تقريبا في مضيق جبل طارق بسبب ما كشفت عنه مصادر إعلامية بانها تحمل أسلحة تعتزم ايصالها لمليشيات حزب الله في سوريا.
وبما أن إيران ترزح حاليا تحت ضغط العقوبات الامريكية لحثها على التفاوض مع الجانب الأمريكي بشأن برنامجها النووي وتهديد أمن الملاحة البحرية والتوقف عن تزويد الأحزاب والمليشيات الإرهابية بالسلاح مما يزعزع أمن المنطقة العربية ويهدد مصادر الطاقة العالمية، لذلك فان إيران تحاول بالتحالف مع روسيا وبالتحالف حتى مع الشيطان الرجيم لكي تهدد وتعبث بمصالح دول العالم كوسيلة للضغط على أمريكا لأجل رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية.
نعلم جميعا أن المصالح الاقتصادية للدول هي القاعدة التي ينبثق منها ويستند عليها أي قرار سياسي. ومن هنا فان الدول المستوردة للنفط تدرك أهمية المملكة العربية السعودية التي تعد من الناحية الاقتصادية مضخة النفط الرئيسية لجميع اقتصادات تلك الدول، الأمر الذي نتوقع أن يجعل هذه الدول المستهلكة للنفط السعودي تتجه الى خيار التحالف عسكريا واقتصاديا لضمان سلامة مصادر الطاقة من أي اعتداء قد يشل الاقتصاد وينبئ آنذاك بحدوث أزمة عالمية تعود بالعالم الى عصور ما قبل اكتشاف النفط.