أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.《ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه》.
نقف اليوم على أعتاب السنة الجديدة، ونحن نُودع عاماً كاملاً قد تصرمت أيامه، وقوضت خيامه، ورحلت معه نفوسٌ لازالت وستبقى أرواحاً جميلة.
عامٌ حوى بين جنبيه حكماً وعبراً وأحداثاً عظاماً، كبُرنا وتعلمنا منها الكثير، وصقلتنا لنصبح أقوى.
عامٌ عشناه وانقضى حاملاً معه صفحاتٍ من ذكريات الأمس، وآمال الغد.
عامٌ أنعم الله فيه علينا بالأمن والإيمان، والصحة والعافية، في حين أن ما حولنا من البلاد، أنهكتها رياح المحن، وشردتها عواصف الفتن، قال تعالى: 《ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون》.
ونحن حينما نستقبل عاماً، ونستودع عاماً آخر، نُودّع جزءاً من حياتنا، وصفحات من أعمارنا سنجدها أمامنا مكتوبة، وسنُعيد قراءتها من جديد، وسيرى كل عامل عمله،《يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً》.
فهذا عام من أعمارنا قد غابت شمسه، واضمحلّ هلاله، إيذاناً بأن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وأن ما بعدها جزاء وحساب، ونحن تُفرحُنا الأيام إذا ذهبت، وتُسعدنا الأعوام اذا أقبلت، لأننا نتطلع إلى متاع من الدنيا قليل، ورغد من العيش بسيط.
فطوبى لمن شغلته أُخراه عن دنياه، ويا سعادة من كان مُستقبل عمره خيراً من ماضيه، متذكراً قول نبيه صلى الله عليه وسلم《خيركم من طال عمره وحسن عمله》، مشمراً عن ساعد الجد 《اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك...》.
لاهجاً بدعائه عليه الصلاة والسلام 《اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر》.