كانت العرب قديماً في عصر ما قبل الإسلام تُقيم ثلاثة أسواق كبيرة، هي بمثابة تجمّعات تجارية واجتماعية وثقافية، وكانت تُعقد في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية بطريقة دوريّة، ويأتيها العرب من كل الأرجاء فيتاجرون ويسمعون المواعظ والخطب، ويتفاخرون بها، كما كانوا يتناشدون الشعر ويتحاكم مبدعوهم إلى كبارهم؛ كالنابغة الذبياني، الذي كانت تضرب له قبّة حمراء فيحكم بين الشعراء، وتكون كلمته هي الفاصلة، وكانت القصائد التي تحوز على إعجاب هؤلاء المحكّمين تطير في أرجاء الجزيرة ويتناقلها العرب في مجالسهم ومناسباتهم.
لقد مر سوق عكاظ بحقبة من الزمن اشتهر فيها كغيره من الأسواق ولكنه كان الأشهر من بينها فرسم سوق عكاظ خارطةً عظيمة في بناء شخيصية الإنسان العربي الفكرية والأدبية والثقافية والسياسية والاقتصادية والدينية والعُرفية فقد كان مزيجاً من الفنون والثقافات ،فكوّن لذلك الإنسان العربي رواية تحكى للأجيال عبر السنين حتى أصبح عكاظ هو المعرض العربي العام أيام الجاهلية والإسلام استمرّت قرنين ونصف القرن ثم تضاءل شأنها واندثرت معالم تلك الحضارة حينما ظهر الخوارج في مكة فنهبت هذه السوق وخاف الناس على أنفسهم، فتُركت وترك الناس مكانها.
لكن ما فتئت أنفاسه تتنفس العروبة ودمائه تختلط بدماء الغيورين من أبناء العرب الصادقين ورجال الفكر المنتمين للعروبة وأرضها فبدأ عكاظ وأعاد أنفاسه بطابع يحكي تلك الأيام الجملية التي مرت عليه لابساً ثوب الأناقة وعبق التاريخ يُخبّر عن أيامه ولياليه وأمجاده في زمن حكومتنا الرشيدة فوضعت الخطط على إستعادة تراث كاد أن يندثر، وأولته إهتماماً كبيراً، وبذلت جهدا مباركا في إخراج سوق عكاظ بمظهر يعكس الثوابت العربية ويبني جسور الزمن الجميل للعروبة الأصيلة بزمن العروبة نفسها، وأثبتت للعالم أجمع بأن الرجال هم من يصنعون التاريخ، لقد حرصت في إختيارها فاختارت خالد الفيصل ليكون المجدد الروحي والجسدي لسوق عكاظ، فصنع للعروبة ولنفسه مجداً تليداً وبصمةً يكتبها التاريخ بأبهى حُلة، فعمل على إعادة وترميم أمجاد الأمة فأحيا تراثها الثقافي والأدبي بقالب يتوافق مع معطيات الزمن الجميل والزمن المعاصر، وحرص على أن يكون عكاظ وجهة ومحط أنظار الأدباء والمثقفين العرب في نشر أدبهم وثقافتهم ، فتميز عن غيره وصار رمزاً ورايةً خفاقةً في سماء الأدب والإخلاص والتجديد، فشكراً لروحه العربية الأصيلة.
التعليقات 1
1 pings
غير معروف
20/08/2019 في 5:31 م[3] رابط التعليق
سوق عكاظ هو اعادة للتاريخ وربط الحاضر بالماضي وتأصيل التراث بالحضارة وحقيقة ان اعادة هذا السوق بعد توقف دام لأكثر من 1300 سنه هو اعادة لتاريخ عربي عنوانه احياء التراث الثقافي والأدبي شعراً ونثراُ وخطابه
شكراً لعراب هذا الانجاز الرجل الإداري والسياسي والشاعر والأديب خالد الفيصل وشكرً استاذنا الفاضل لهذا المقال الجميل الذي وضعنا في اجواء سوق عكاظ
(0)
(0)