عندما تتضارب الآراء وتتعاكس الإتجاهات على منضدةٍ ما وفي شائكةٍ ما ثم تحاول ان تتماسك نفسك وانت ترى احدهم ينحدر من رأس التَل إلى الهاوية وهو يعتصر فكره كما يدَّعي ، وآخر قد إِرتطم بحافة الزاوية لعقله عندما أتى مسرعاً ظناً منه انه قد أصاب لُب المشكلة واتى بالحل او "بالفاصل بين الحق والباطن والحد بين اليقين والشك" كما يرا نفسه فاعلٌ لحظتها ، ثم ترى شخصاً باقصى المنضدة قد خُيل إليك انه يحمل فوق رأسه مصباح يتوهج ويلقب نفسه بـ"صائد الفكرة وعارف النكرة" وهو يُصفق بأصبعيه الإبهام والوسطى بين كل متحدث وآخر وجملة وأختها ، فبينما انت تتلهف للرأي السديد الذي سينطق به هذا المفكر النابغة إذ به يرشق كلماته في وجهك رشقاً وكأنه يعيدك لتخبط آراء اصحاب المنضدة من جديد ويعلمك درس الا تتسرع وتأخذك المظاهر عن المخابر.
فقط قلب ناظريك بين الحاضرين حتى ترى العجب ، واذا مرّت عينيك بشخص قد اتكأ على احد مرفقيه واحتضن احدى خديه براحة يده فلا تُطل النظر إليه وترتقب مشاركته الرأي للحضور ، فهو إما انه لا يحب ان يشارك فيما لا ناقة له فيه ولا جمل او انه قد تصالح مع ذاته واشترى راحة باله بإعتزاله المشاركة في ما لابد منه.
وعلى كل حال سترى عجب العُجاب في مثل هذه المجالس التي يكثر فيها الهرج والمرج ويحتد فيها النقاش ويطول فيها اللغط ، فإن استطعتَ ان تتجنب مثل هذه المجالس ففعل وانجُ بصفوِ بالك عن كدره ، وبسداد رأيك عن رعونته ، ورجاحة قولك عن حُمقه ... هذا والله الموفق.