هل كان يتبادر إلى ذهن أحد منا أن يرى وجهه - الذي من المفترض أن
يراه بعد عشرات السنين - أن يراه اليوم ويتأمله ويقهقه على شكله ويطلق النكتة والدعابة ؟؟ بالطبع سيكون الجواب لا . ولكن مارأيكم أن التقنية وضعت شيخوختك بين يديك كي تراها ولا تراك وتضحك منها وهي كذلك .. لا تراك وربما إنك تودعها فقد لا تراها ولا تراك للأبد .
التطبيق الإلكتروني الشهير ب " فيس اب " أرانا شيخوختنا مبكراً وهذه إحدى عجائب التكنولوجيا السبع ؛ ولكن من وجهة نظري أن هذا التطبيق قدم لنا صورة هزلية ومهزوزة للقيمة الحقيقية لآخر العمر أو أرذل العمر ، فهذه المرحلة هي أثمن مراحل العمر بعكس ما يعتقدها كثير منا بأنها مرحلة المتاعب النفسية والجسدية ومرحلة التأهب للرحيل .
في هذه المحطة يتكئ الإنسان على منجزاته الإنسانية والتربوية والاجتماعية ويرقب بعينيه أولاده الذين نشَّأهم كيف أصبحوا رجالاً ونساءً يبنون وينتجون ، ويداعب أحفاده ويسلو معهم بسويعات يعتبرها خارج حسابات عمره ، ويتأمل رحلة حياته كيف قضاها ؛ فمن معين تجاربها وخبراتها يغرف ليسقي أبنائه وأحفاده ، وفي أحيان يلهو مع رفاق دربه وأصدقاء سنينه وسط ضحكات صافية وسرد لحكايا الزمن ، ويتخلل كل ذلك أن يسمو بذكر خالقه ويتبتل بآياته أو يعكف على عصر ذاكرته الممتلئة ليخرج منها عصارة تجاربه ثم ينثرها حبراً على أوراق بيضاء وملساء ترتص بين دفتي كتاب يسميه " مذكرات " ، أو قد يبقى ممتطياً صهوة جواده يخدم وطنه في مؤسسة اجتماعية أو خيرية أو حتى ربحية ينزف من وقته وجهده ما يروي بعض أرض من وطن .
لعمركم أليست مرحلة الشيخوخة مرحلة جميلة ؟
انا أراها كذلك لا لشيء إلا لأنها جزء من حياتك إذا وصلت إليه فعليك أن تعيشه بأجمل مافيه وبأحلى لحظاته وأبهاها ، فبياض الشعر ليس بالضرورة أن يبقى رمزا للوهن بل قد يكون دليلاً على بياض السريرة وإخضرار القلب فالشاعر يقول :
وكان الشباب الغض لي فيه لذة
فوقرني عنه المشيب وأدبا
فسقيا ورعيا للشباب الذي مضى
واهلا وسهلا بالمشيب ومرحبا