تناولت العديد من الدراسات مفهوم الخصوصية على نطاق واسع ، ويرى الكثير من المفكرين، في المجال القانوني والاجتماعي والحقوقي ، أن حق الخصوصية أحد الحقوق اﻷكثر إشكالية؛ لغياب أي توافق حول المفهوم النظري، فما يكون خاصاً في مجتمع ما قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر. وللثقافة الفردية أو الاجتماعية دور في عدم التوافق والإجماع الكلي، ومع هذا يمكن تعريف الخصوصية على أنها قدرة الفرد أو الأشخاص على حماية أنفسهم أو معلوماتهم عن الآخرين، والاحتفاظ بحقهم في التعبير والإفصاح عن أنفسهم بطريقة انتقائية ومختارة؛ لتأخذ الخصوصية الطابع الدفاعي.
وبالنظر إلى الماضي والحاضر في حياتنا الاجتماعية والقفزات الهائلة والسريعة في مجالات الحياة العامة المختلفة نجد أن هذا المفهوم لم يصمد أمام حركة التغيير السريع لتنهار كل سبل المقاومة في مجالات وتتضخم في مجالات أخرى، فعلى المستوى الشخصي في المجال التقني نرى كيف تهدمت جدران الحماية الفردية في مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحنا بضغطة زر نستطيع التحدث مع هذا وذاك ونتبادل مع الغرباء فضلاً عن الأقارب الكثير من معلوماتهم الشخصية وسهولة التواصل معهم دون أي حواجز تذكر سوى الحاجز الأخلاقي والرقابة الذاتية إن وجدت! .
وفي الجانب المادي العمراني نرى كيف تضخم هذا المفهوم من الخصوصية بشكل مبالغ فيه جداً، فرفعنا الأسوار، وجلبنا المرايا العاكسة (أراك ما تراني) حتى سياراتنا دخلت في هذا المضمار فتم بناء المواقف الساترة والمداخل ذات الأبواب الأوتوماتيكية، ليس هذا في المدن فحسب؛ بل حتى في القرى والهجر والتي اشتهرت بالكرم وتقديم حق الضيافة لعابري السبيل في الماضي، حتى قال الأديب الشاعر محمد بن شلاّح المطيري - رحمه الله تعالى- في قصيدته الشهيرة والتي يوصي فيها ابنه نمر قائلاً:
أمل الوجار وخلوا الباب مفتوح
خوف المسير يستحيي لا ينادي
يا نمر ما في صكت الباب مصلوح
ولا هي بلنـا يـا مضنـةً الفؤادي
لا يختلف الجميع على أهمية الخصوصية وحمايتها من تطفل العابثين ولكن ينبغي التوازن والاعتدال بحيث لا يطغى جانب الحرص على الخصوصية على الجانب الإنساني المتمثل في الكرم ومساعدة المحتاجين من عابري السبيل وبالأخص في القرى والهجر، وكذلك التوازن في الجانب التقني، فمن غير المقبول تحمي الجدران الأسمنتية والأسوار المرتفعة خصوصيتنا وتهدم التطبيقات الذكية هذه الخصوصية بضغطة زر.
التعليقات 3
3 pings
كلامك كثير ا رائع وهذا موضوع حساسا جداً
25/02/2019 في 5:43 ص[3] رابط التعليق
التعليق
(0)
(0)
زائر
25/02/2019 في 5:44 ص[3] رابط التعليق
كلام جميل ورائع واشرت الى موضع جدا حساس في المجتمع
(0)
(0)
زائر
25/02/2019 في 5:45 ص[3] رابط التعليق
التعليق
(0)
(0)