انطلق مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل بنسخته الثالثة المطورة 1440هـ 2019م، والذي يقام في قرية الإبل شرق مدينة الرياض في منطقة الصياهد الجنوبية للدهناء، وقد تأهب لهذه المناسبة العظيمة على قلوب الجميع فرسان الإبل والهجن والشعر بأنواعها وفئاتها وألوانها المختلفة، عبر تظاهرة تراثية ورياضية وثقافية تعد الأضخم من نوعها على مستوى العالم.
يحظى مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، باهتمام رفيع المستوى يشرف حفله الختامي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهد الأمين المشرف العام على النادي، بجانب قادة وزعماء دول خليجية، وشهد في نسخته الثانية إقبالًا كبيرًا حيث جذبت منافساته للمزايين والسباقات متابعة من داخل وخارج المملكة، عبر محطات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي.
يهدف نادي الإبل من تنظيم مثل تلك المنافسات إلى إحياء تراث الآباء والأجداد، ورد بعض الدين الذي للإبل، تقديراً للإسهام الفريد الذي قدمته في حياة أمتنا العربية والإسلامية، بالإضافة إلى دعم مربين الإبل مادياً ومعنوياً وتشجيعهم على الاستمرارية في تربية الإبل، كما إن من أهدافه إطلاع الجيل الجديد على ثقافة تربية الإبل الفريدة التي تعتبر جزء لا يتجزأ من التاريخ والموروث السعودي المجيد، ناهيك عن تقوية البناء الاجتماعي بين أبناء القبائل وبين الراعي والرعية. كما يهدف إلى رفع معنويات أهلها، وتحسين أوضاعهم، وإسعادهم وإدخال البهجة على نفوسهم، وتشجيع أبناء المجتمع على اقتناء أطيب السلالات وأجودها، ناهيك عن توثيق روابط وأواصر الألفة بين مربيها حتى أصبحت في عصرنا هذا محط الأنظار، وملتقى الأفكار، لا يخلوا مجلس من ذكرها، دخلها الصغار قبل الكبار، وفُتن بها رجال الأعمال، فأصبحوا بعد تدقيق الحسابات وضبط دفاتر القبض والصرف، يدفعون فيها الملايين ولا يبالون، سماها البعض إن صحت العبارة بالسحر الحلال، لأنها تسحر من دخلها فتصبح أغلى من العيال، يأنس عندها، ولا يمل النظر إلى صورها، تزداد حلاوةً يوماً بعد يوم، وتكبر في عينه سنة بعد سنة، إن كان عندها نسي الهموم والآلام، وإن بعد عنها اغتم ولا نام، فهل يا كرام مر عليكم مثل هذا الحب النقي المروي بماء الورد والزعفران، وهل يحق لنا أن نلوم من دخل هذا المجال بعد هذا الكلام.
أصبح الناس في عصرنا هذا يتسابقون عن البحث عن أي ناقة فيها ولو جزء بسيط من الصفات الكاملة للناقة الجميلة، ويخبرون عنها كبار مربين الإبل الذين وضعوا جوائز قيمة لمن يرشدهم إلى ذلك. بل تعدى الأمر إلى أن كثير من الناس بدأ الآن يتخير ناقة جميلة ويأخذها لكي تلقح من جمل فيها صفات الفحل الجميل قد يملكه أحد كبار مربين الإبل المشهورين، لكي بعد سنوات قليلة يحصل على الإنتاج والذي قد يعود عليه بنفع وفائدة عظيمة.
مزاينات الإبل لم تعد فقط منافسات رياضية تراثية، وإنما هي رقت إلى كونها مناسبات اجتماعية وملتقيات اقتصادية وثقافية وشعرية، يشارك فيها الأمراء والوزراء والمواطنين والخليجيين والعرب على اختلاف مستوياتهم. ينصب فيها مربون الإبل بيوت الشعر والخيام لتعطي الرمال الذهبية منظراً خلاباً، ليس هذا فحسب وإنما هم يحافظون على تراث متأصل مرتبط بالشهامة والكرم.
مربون الإبل يجتمعون في تلك الأيام، مع أبنائهم وأقاربهم وأبناء قبائلهم، والمعيار عندهم ليس الفوز فقط، لأنه بنظرهم كلهم فائزون وكلهم حصل على الجائزة وتشرف بإجابة الدعوة ومصافحة خادم الحرمين الشريفين واستلام الجائزة من يده الكريمة وهو أعلى وسام، إن حضرت مجالسهم وجدتها مجالس كرم وعز وشرف، فيها تسرد القصص والحكم والقصائد والمواعظ والعبر، حتى أصبحت مزاينات الإبل مدرسة يتعلم فيها الأبناء من الآباء الكرم والإيثار والنخوة والرجولة والشجاعة والصبر والكفاح والولاء والانتماء وحب الوطن.
يتطلع نادي الإبل أن يتحول مهرجان الإبل إلى العالمية، مستفيدين من الدعم الحكومي السخي الذي يوليه المشرف على النادي، بوصفه رابطًا لتراث المملكة الضارب في عمق شبه الجزيرة العربية والذي قلما تجد له مثيلاً في بلاد أخرى، ومهما تكلمنا عن رؤية النادي ممثلة برئيسه النشط فلن نصل إلى مبتغاه فكل عام يتجدد اللقاء بحزمة كبيرة جداً من الإضافات، ولعلي أسرد بعضاً من تلك الأعمال التي قام بها نادي الإبل اعتباراً من النسخة الثانية برئاسة الشيخ فهد بن فلاح بن حثلين وبقية الأعضاء، ومنها؛ تدشين شعار نادي الإبل الجديد الذي جمع بين الأصالة والحداثة، العفو عن جميع المخالفين خلال النسخ السابقة، عمل دراسات لواقع بعض الألوان المشاركة من خلال لجنة استشارية محايدة، والوصول إلى قرار حجب مشاركة فئة 100 في لوني الشقح والحمر لقلة عدد المشاركين، صدور قرار مجلس الوزراء بإلزام جميع ملاك الإبل بوضع الشريحة الإلكترونية الخاصة بمشروع الترقيم والتسجيل الإلكتروني للحيوانات لدى وزارة البيئة، صدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على الترتيبات التنظيمية لنادي الإبل، طرح مسابقة عالمية لتصميم القرية السعودية للإبل بمشاركة من عدة شركات عالمية، عقد ورشة عمل خاصة لدراسة أكبر قافلة على ظهور الإبل تعبر الربع الخالي، انطلاق جائزة الملك عبدالعزيز للأدب الشعبي كأكبر مسابقة في العالم العربي وذلك في الشعر النبطي والمحاورة والشيلات والشعر الشعبي العربي، الإعلان عن إطلاق مزاد عالمي للإبل على غرار المزادات العالمية للخيل بتغطية من قناة MBC، الإعلان عن شروط جائزة الملك عبدالعزيز لمزاين الإبل، إطلاق مسابقة كتابة القصائد للشيلة الرسمية لمزاين الإبل، الإعلان عن إدراج مسابقة مزاين الهجن للأصايل، الإعلان عن جائزة معلقات المهرجان النبطية السبع، الإعلان عن الحلة الجديدة لسوق الدهناء التجاري والمزاد في مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل بالصياهد الجنوبية، الإعلان عن أول مشاركة للعنصر النسائي في مزاين الإبل حيث تشارك الأميرة سيرين بنت عبدالرحمن بن خالد بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود في مزاين الفرديات، فتح باب التسجيل في مسابقة طبع الإبل، الإعلان عن افتتاح منطقة المبيت بجانب سوق الدهناء التجاري. الإعلان عن موعد رحلة قافلة الربع الخالي (ركايب) لاكتشاف ثاني أكبر صحراء في العالم على ظهور الإبل، الإعلان عن بطولة المملكة للألعاب الورقية (لعبة البلوت) بالمهرجان، والإعلان عن إطلاق مسابقة أفضل تغطية للمهرجان في القنوات الشعبية السعودية، حيث سيحصل صاحب المركز العاشر على نصف مليون ريال وتتصاعد الجوائز وصولاً للمركز الأول. أما فيما يتعلق بفعاليات القرية المصاحبة للمهرجان فسوف تشتمل على الكثير من المنافسات والألعاب والمسرحيات والورش والرسومات والتشكيلات والأنشطة المتنوعة للرجال والنساء كباراً وصغارا، وسوف تقام الكثير من المناسبات والمسابقات والجوائز التي من شأنها إدخال السعادة على الحضور وتقديم خدمات غير مسبوقة.
وأخيراً وليس آخراً، يمكن القول إن مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل لم يعد حدثاً وطنياً فقط بل اكتسب أبعاداً خليجية وعربية ودولية بتواصله واستمراره عاماً بعد عام برعاية من لدن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وإشراف مباشر من المشرف العام على النادي سمو ولي العهد الأمين، والتفاف المواطنين حول هذا المهرجان النابع من تراثه وأرضه وتاريخه المجيد، واهتمامه بالحفاظ على الموروث الشعبي وربط الأصالة بالمعاصرة لإبراز الصورة المشرقة للمملكة والمكانة التي تليق بها، باعتبار ذلك أحد الغايات التي يقوم عليها المهرجان بالإضافة إلى ما يتضمنه من أنشطة وبرامج وفعاليات تضم مجالات النشاط الإنساني كافة في الثقافة والتراث والفنون والحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة التي يسعى من خلالها نادي الإبل إلى جعله واحداً من أبرز المهرجانات العالمية المتعلقة بالإبل والهجن، وختاماً الشكر موصول لرئيس نادي الإبل رجل التحديات الذي ليس له سقف في تطلعاته والحريص على كل جديد مهما كانت المعوقات ولجميع أعضاء النادي الذين تشرفوا بهذا العمل الوطني المعطاء، وإلى من عمل في المهرجانات السابقة سواء أكان مسؤولاً أم مشارك، وإلى لجنة تسيير أعمال النادي التي تعمل بجد واجتهاد في سبيل الظهور بكل ما يدخل البهجة والرضا والسرور على القائمين على النادي، وإلى جميع المشاركين من مربين الإبل والهجن الذين ينظر لهم العالم أجمع في تقديم منافسة شريفة بعيدة عن كل ما يسيء إلى ديننا الحنيف والعادات العربية الأصيلة، بلا مهاترات ولا منابزات ولا ملاسنات ولا تعصبات أو حزبيات، وإنما الكل يعمل كفريق واحد يمثل الوطن ويعمل من أجل إنجاح هذا العمل الكبير الذي توليه الدولة الشيء الكثير، كما لا يفوتني شكر كل الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية المشاركة في المهرجان وعلى رأسهم رجال الأمن البواسل ومندوبو وزارة البيئة والمياه والزراعة والهيئة العامة الرياضة والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني والضيوف والزوار.
بقلم الدكتور : خالد بن عبدالله التركي
أستاذ الأنثروبولوجيا المشارك في جامعة القصيم عضو مجلس إدارة نادي الإبل
التعليقات 3
3 pings
زائر
06/02/2019 في 2:32 م[3] رابط التعليق
مقال جوهري ويصور واقع الجهود المبذولة
(0)
(0)
أحمد العجاجي
06/02/2019 في 2:33 م[3] رابط التعليق
رائع يادكتور .. مقال في الصميم
(0)
(0)
سالم اليزيدي
06/02/2019 في 2:34 م[3] رابط التعليق
الإبل أقسم الله بها في كتابه الكريم وهي من اعظم مخلوقات الله والعناية بها غاية في الاهمية
(0)
(0)