إن من أعظم ما تفضل الله به على أمة الإسلام ، هو المنهج الإلهي الذي به تحتكم وإليه تتحاكم ، وهو مما يميزها عن سائر الأمم التي نبذت كتابها وراء ظهرها ، وحكّمت الأهواء وما تشتهيه الأنفس ، وضربت بالحق عرض الحائط ، لتكون هي الحاكم والمحكم دون غيره ، مما جعلها أمة رعاع تافهة ، هي في الميزان أقل من أن يُقال ، ليست ثمت شيءٌ عليه ، وسلط الله عليها الذل والهوان جرّاء ما قامت به من السير واللهث خلف الأهواء والأعداء ، فكانت العاقبة وخيمة ، ولكن ياليت قومي يعلمون ، وإن الناظر في حال أُمتنا اليوم ومجتمعاتنا يرى مناظر تندى لها جبين الشرفاء ، من الركض وراء الغرب والسباق نحو جحره الذي نبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبره في الحديث :
( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ).
فلا شيء يدل على ضعف الأمة الإسلامية وهوانها وتبعيتها ، من كونها مقلدة لغيرها ، فتجد البعض ، تشرئب أعناقهم إلى ما قال الغرب ، ليتغنوا به .
وموضة الغرب ليتزينوا بها .
وحركات الغرب ليتمثلوا بها .
وإشارات الغرب ليتعالموا بها ويتعارفوا .
حتى أمسى القوم متكدسون في جحرهم ، من شدة تزاحمهم عليه ، والبعض ، وخاصة الشباب منهم ، قد أشرب قلبه حب التقليد للغرب الكافر ، في مظاهر حياتهم وسلوكهم ، وفي ذلك قتلٌ للإنسانية ، ونزول إلى درك الحيوانات التي يقود القطيع واحدٌ منها ،فيسقط القطيع كله متتابعاً إن سقط ذلك الواحد ، ويستمر مستقيماً في سيره إن استقام .
لا فرق بين مقلدٍ وبهيمةٍ
تنقاد بين جنادلٍ ودعائر
إننا حين فرطنا في مبادئ ديننا القويم ، ومسلمات الشرع النبيل ولهثنا وراء ما حدثنا به الغرب عن ما فعله الغرب ، عن ما اعتقده الغرب ، عن انتكاسة الفطر ، عن سلب العفة والحياء ، عن الانسلاخ ، أنه قال ؛ :
( أنا لكم قدوة ورأس ، وأنتم لي رعاع وأذناب ) رواه ، المنسلخ من هويته ، عن المعتز بذنب غربه ، في كتابه ، حقيقة الهوية الانسلاخ من القيم والمبادئ الإسلامية .
وإنه من المؤسف أن تجد الناشئة قد تمثل في شخصياتهم مثل هذه المبادئ الغربية الآسنة ، التي لا تعرف للمبادئ والأسس الإسلامية مسلكاً وطريقاً ، وتجد المجتمع يحثهم على هذا إن لم يكن بالاتباع فربما بالتأييد بالقول ، وإن لم يكن فابخرص الألسنة عنهم ، وفي ذلك تأييدٌ لهم ، فيستمرون على ذلك إلى أن تعمهم خيبةٌ ووبال ، أو هدى ورشاد ، وإلى الله عاقبة الأمور .
إن الإعتزاز بالدين والهوية الإسلامية ، لهو أعظم المطالب وأسنى المراتب ، التي يجب وجوباً عينيّاً على كل فرد أن يستن بها وأن يتمثل بها قولاً وفعلاً ، فنحن لسنا بحاجةٍ إلى أن نكتسب مبادئنا من الغرب المُرابي والمُقامر بالمبادئ والأخلاق ، مادام بين أيدينا وحيُ ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، فعودًا إلى موردها عودًا ، وما عداها فاعرض الحائط أولى به .
وترقّ أنفسنا لرؤية من غدا
في ربقة التقليد شبه مقيّد .
وإن المقلد يلغي وجوده بتقليده لغيره ، ويقضي على كيانه ، ويغمض عينيه ليرى بعيون الآخرين ، ويصم أذنيه ليسمع بآذان من قلده ، ويُوقف حركة عقله وتفكيره ليفكر بعقولهم ، وأيُّ تبعيةٍ عمياء وجاهلية جهلاء تكمن بعد هذا الأمر ،
إنّا نرى التقليد داءً قاتلاً
حجب العقول عن الطريق الأرشد
إن خطورة التقليد الأعمى تكمن في كون المقلد يظن أنه مهتدٍ وهو ضال ، ويرى نفسه على حق وهو مرتكسٌ في حمأة الباطل ويرى نفسه متطوراً متحضراً مع أنه دخل جحر الضب الذي حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلك لعمر الله هزيمة نفسية مريرة ، أُصيب بها الكثير من المسلمين ، حين قلدوا أعداءهم وأعداء دينهم ، وعظمت المصيبة حين كانت في أعز شيء لدينا ، في شبابنا ، رجال غدنا ومستقبلنا .
وأهتف في الختام ، إلى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، إلى ذاك الذي في قلبه بذرة الغيرة والحميّة ، ولكن اجتالته شياطين الإنس عن المورد العذب ، عُودوا إلى المنبع الصافي منبع القيم والأخلاق ولا تبغوا عنه بدلا ، ولا تحيدوا عنه طلبا ، فهو موردكم الأصيل وكنزكم الثمين ، الذي ما إن تركتموه ونبذتموه وراء ظهوركم ، إلا كان سبباً في هندام ضعفكم وذُلّكم ومقتكم ،
فإذا اقتديت فبالكتاب وسنة المبعوث بالدين الحنيف الطاهر
وإني لأجدُ فيكم روح الأمل والتفاؤل ، كما وجد يعقوب ريح يوسف