يقول الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله - الحياة هي الذكريات والذكريات هي الحياة.
ولأن الزمن لا يعود، ولأن هناك لحظات جميلة في حياة الإنسان لا يستطيع أن يعيشها مرة أخرى لأن العمر مرة واحدة فقط، فلا أحد يستطيع أن يعيد الزمن إلى الوراء ويعيد الأحداث والأشخاص والذكريات. فلا بد أن نساعد الآخرين على أن يعيشوها بكل سعادة وفرح، ونترك لهم ذكريات جميلة لا تنسى. خاصة تلك المناسبات واللحظات التي يعيشها الشخص لأول مرة، والتي تعتبر تاريخية في عمر الإنسان. فتبقى محفورة في ذاكرته ولا يمكن أن ينساها. فرحة الطفولة، فرحة التخرج من الجامعة، فرحة الزواج، فرحة الحصول على أول وظيفة، فرحة امتلاك أول منزل، فرحة من يرزق أو ترزق بأول مولود. كل تلك المناسبات تبقى في الذاكرة ولا يمكن أن يمحوها الزمن.
من حق الطفل أن يعيش طفولته بكل تفاصيلها البريئة، وأن يستمتع مع أقرانه باللعب والضحك، والمنافسات التي لا تخلو من الشقاوة، وأحياناً الخلافات البسيطة والشجار البريء بين أقرانه. فهناك من يفسد عليهم تلك اللحظات، فيتربص بهم ويمنعهم من اللعب البريء والمزاح فيما بينهم وينهاهم عن كل شيء. فالطفل لا ينسى طفولته. وهو في تلك المرحلة العُمرية هو بصدد تكوين ثقافة وذكريات. فيجب أن نتركها للطفل يعيشها بجمالها وعفويتها. هناك من يؤذي الأطفال بكثرة اللوم والانتقاد والكلمات الجارحة والمحطمة له، ويريد من الطفل أن يتصرف كما يريد هو ويعطيه الأوامر كيف يتحدث؟ وكيف يقوم؟ وكيف يقعد؟ وكيف يأكل؟ فيجعل الطفل مقيدًافي كل تصرفاته، ولا يعيش بتلقائية. مما قد يجعل منه إنساناً ضعيف الشخصية أو أن يعوده أهله على النفاق والتزلف إذا كبر.
ناهيك عن قتله لتلك اللحظات الجميلة التي فاتته، فالطفولة لا تعود مرة أخرى، فلا بد من احترام طفولتهم وإسعادهم وعدم جرح مشاعرهم بكلمة أو حتى العبوس في وجوههم.
هناك من يتقن إفساد اللحظة على من يجب أن يعيشها بسعادة، فهو يعرف جيداً كيف يكدر صفوها. وهناك من لا يعي مدى شناعة ما يقوم به حين يفسد سعادة غيره ويعكر مزاجه، ويخرجه من طور الفرح إلى طور التعاسة. وكل ذلك قد يكون من خلال التطفل وكثرة الانتقاد والكلام السلبي وفرض الوصاية، وأشياء قد لا يعيها من يقوم بافساد تلك اللحظات.
هناك لحظات في حياة الإنسان لا تنسى ولا تعود مرة أخرى. طفولة ومراهقة وشباب وزواج ومراحل دراسية ثم عمل، إلى أن يصبح رب أسرة وشخصًا مسئولاً.
أمر محزن أن عريسًا في ليلة زواجه بدلاً من أن يسمع كلمات التشجيع والتهنئة والدعاء الصالح، يُبتلى بشخص ينغص عليه فرحته، إما بتصرف وقح أو كلمات جارحة أو تكشيرة أو أسئلة تنتهك خصوصيته وتفسد عليه أجواء الفرح.
وكذلك العروس التي تواجه انتقادات أو كلامًا مسيئًا أو أسئلة خاصة ليس للسائلة أي حق في معرفتها. وتجد من يبتلي هذين الزوجين في شهر العسل بكثرة الأسئلة، ومحاولة معرفة أدق التفاصيل عن حياتهما الزوجية وأين ذهبا في شهر العسل؟ وكم كلفة الزواج؟ وكم دفعوا مصاريف السفر؟ وماهو الوقت الذي سينجبون فيه؟ وهلمَّ جراً من الأسئلة التي ليست من حق السائل أن يعرفها، ولا ناقة له فيها ولا جمل.
رسالتي لهؤلاء ورجائي لكل من يشاهد أطفالاً يلعبون، أو عريسًا في ليلة زواجه أو في شهر العسل، أو أي شخص يعيش لحظات تاريخية بالنسبة له، سواءً كان شخصًا فرحاً بتخرجه من الجامعة أو سعيدًا؛ لأنه حصل على وظيفة، أو حين يسكن منزلاً جديداً لأول مرة. دعوهم يعيشون لحظات الفرح في تلك الفترة. أكرموهم بهدية أو دعاء أو حتى ابتسامة وكلمة جميلة، فإن لم تستطيعوا فعلى الأقل لا تكدروا عليهم فرحهم. رفقاً بهم ولطفاً، فإن لم تستطيعوا إسعادهم فلا تفسدوا ذكرياتهم.
ولهذا أحببت أن أوجه رسالة من خلال مقالي المتواضع إلى أولئك الذين لا يفرقون بين المناسبات السعيدة عن غير السعيدة.
بقلم : عمر بن إبراهيم بن سليمان العُمري
القصيم - بريدة