الموقف هو من يجعلك تحكم على الأشخاص من الجنسين ولا ترتبط المواقف بجنسٍ معين فقد كان في سالف الأيام رجلاً طاعناً في السن أعمى البصر رُزق له ابناء ولكنهم ذكور فقط نراهم يتسكعون في الشوارع ويلعبون الكرة ويرافقون الأصدقاء ويجلسون عند مدخل المنزل منذ أن يقوم من النوم و حتى آخر الليل وهم في غيهم يعمهون ، فلم نرى منهم أحداً يقوم على خدمة والده أو مرافقاً له .
إلا إبنته الوحيده فقد كانت كظله ترافقه منذ سنوات إلى حيث يشاء السوق أو الجيران وتذهب معه لصلاة خمس مراتٍ في اليوم و صلاة الجمعة تضعه في الصفوف الأولى بين المصلين ثم تخرج وتنتظره خارج المسجد حتى تنتهي الصلاة ثم تأخذه بيده إلى البيت والذي يبعد قرابة الكيلو مشياً ذهاباً وإياباً وتذهب به للمناسبات والتي يُدعى إليها من المجاورين له والأعراس التي تقام هنا وهناك وقلما يجدون من يقلهم في طريقهم .
وكانت عندما تذهب معه عند الآخرين تبحث عن موقع لإنتظاره بعيداً عن أنظار المارة أي بمعنى قد تكون في الشارع أو بجوار جدار تتعرض من خلاله الى لهيب الشمس في الصيف والبرد أثناء الشتاء كانت طفلة ولكنها كانت بألف رجل ......
بقيت على هذا الحال عشرات السنيين لم تتضايق ولم تتململ من والدها بل يزيدها شغفاً بل كأنني رأيتها ذات يوم تُمازح والدها في إحدى الطرق وتُقبل يده وهي فرحه ، الله ماهذا الوفاء وماهذا الحب قلما نجده في هذا الزمن ويكاد يُعدم في أوساط الشباب .
وبقيت هذه الفتاة وحتى كبرت ومازالت مرافقةً لوالدها حتى إنتقل ذات يوم إلى جوار ربه وقد حزُنت عليه هذه الفتاة كثيراً كثيرا فرحم الله والدها وكتب الله لها أجر سعيها وخدمتها له .
إنتهت قصة هذه الفتاة بإنتهاء حياة والدها ولم نعد نعرف ماذا فعل بها الزمان ولكن نثق في الله بأنها ستكون في حفظه فقد ادت واجبها إتجاه والدها فما يدرينا لعلها منشغلةُ بوالدتها أيضاً أو أصبحت وحيدةً إلا من زوج صالح بإذن الله تعالى فالإخوة سينشغلون حتماً في معترك الحياة ولن يسأل أحداً عنها لأننا تعودنا بأن المرأة ليست بتلك القيمة و التي يرى الرجل بأنه أفضل منها بينما الحياة والظروف تقول غير ذلك تماماً .
العبرة بهذه القصة أن المرأة أياً كانت أبنةً أو أختاً أو زوجه فإنها صاحبة وفاء وصبر وتحمل وتضحية وفداءً أكثرُ بكثير من الرجال و الأبناء فالغالب الأعم بل اكاد أجزم بأن النسبة تكاد تنعدم في الشباب لأنهم منشغلون بأصدقائهم و بصحبتهم وبسياراتهم وبأسفارهم واذا تزوج إنشغل بزوجته واطفاله ويجد لنفسه كل العذر .
فإن تكرم بالزيارة على والديه طل عليهم ونظر إليهم نظر المغشي عليه ثم نطق " تبون شي " ثم إنطوى على نفسه مغادراً من حياتهم تاركاً لهم الهم والغم والحزن والحاجة .
اما الفتيات فيندر أن تجد منهن تضجراً من والديها بل تحملهما على عاتقها وتضمهما إلى صدرها بكل حُب وإخلاص وتفاني وتنسى نفسها في خدمتهم وقد يسرق الزمان منها عمرها وشبابها دونما أن تحس بذلك ولكن من فضل ربي يأتيها رزقها رغداً و يبارك الله لهن في زوج صالح يلبي لها كل طلبتها ويندر من تُعاني بقية حياتها إما من جفاف الروح وقسوة الليالي و الأيام أو من سوء خُلق إخوتِها أو من زوج متعجرف جاهل ...
الله مأحسن جمال الدنيا بهن فلا أدري كيف يعيش ذلك الرجل بدونهن وبدون حبهن ووفائهن وإخلاصهن يارب أختم لهن بالجنة ياحي ياقيوم ...
أما أنتم أيها الشباب إلا قِلةً وعددٌ مِن مَن يدعون الرجولة فهون عليك من نفسك فأنت لا شيئ من غيرهن فإنك عالةً على الدنيا بما فيها رغم ضجيجُك بالحياة فأنت من دون تلك المرأة لا شيئ ، ودعك من تلك الصورة التي تعيشها وتلك الوصاية التي تمارس عليهن بتسلط وعنجهية وفرد عضلات .
فهن يستطعن العيش بدونك ولكنك أنت لن تستطيع العيش بدونهن فلماذا هذه الغلبة والإعتزاز بالنفس الخاوية ولماذا الإحتقار لهن ، فراجع نفسك قليلاً وفكر بعقل ورويه فالحياة بينكما مشتركة والذكي والرجل الحقيقي هو من يحتمل المواقف ويستظل تحته كل ضعيف ومسكين وذو حاجة ففي رأيي المتواضع بأن المرأة كسبت الرِهان على الكثير من الذكور وخصوصاً في هذا العصر .
التعليقات 1
1 pings
زائر
24/12/2018 في 6:24 م[3] رابط التعليق
التعليق
(0)
(0)