شهدنا بالأمس مصافحة معالي وزير الخارجية اليمني خالد اليماني لرئيس وفد المفاوضات عن مجموعة الحوثي الإنقلابية لأول مرة منذ أربع سنوات تقريباً..وقد أفاد الوزير عبر تغريدة على حسابه بتويتر بأنه قال لأمين عام المتحدة أثناء المصافحة:(لا داعي للتقريب فيما بيننا فهذا أخي، رغم انقلابه على الدولة وتدميره للوطن وتسببه بهذه المأساة الإنسانية، إلا أنه يظل أخي!).
إن اليمنيين يدركون قبل غيرهم بأن الحل لا يمكن أن تحسمه الحرب وحدها مهما طالت..حتى وإن تغلب فيها طرف على آخر..فإن أسبابها تظل قائمة..وقابلة للعودة في أي وقت..وأن حلهم الوحيد يكمن في المفاوضات السياسية والوصول إلى توافقات وحلول دائمة..وتغليب مصلحة وطنهم على جميع الأطماع والمشاريع الخارجية..وقد رحب التحالف الدولي بقيادة المملكة العربية السعودية بالمفاوضات السياسية منذ البداية وأكد على ضرورة الوصول إلى حلول سلمية..ودعَمَ مفاوضات عمان والكويت وجنيف وأخيراً مفاوضات ستوكهولم.
ولعل الضغط العسكري الذي تلقته المليشيات مؤخراً في الحديدة وصعدة..واقتراب القوات الشرعية وقوات التحالف من مخبأ عبد الملك الحوثي في كهوف مران ودخول القوات إلى الحديدة عبر محاور عدة..بالإضافة إلى انحسار الإمدادات الإيرانية لجماعة الحوثي بعد الضغوط الدولية المتزايدة على طهران وأهمها العقوبات الاقتصادية الأمريكية..وكذلك ضيق المواطن اليمني ذرعاً بممارسات الإكراه والاعتداء والتجويع من قبل الجانب الحوثي مما يمهد لانفجاره في وجه طغيانهم..كلها عوامل جعلت الحوثيين يجلسون على طاولة المفاوضات بشكل مباشر لأول مرة..ويقبلون الانسحاب من الحديدة..وتخفيف الحصار على تعز..وتبادل الأسرى..والابتعاد عن طرق الإمدادات الإنسانية في المناطق التي يسيطرون عليها.
وكلنا أمل أن تكون هذه الاتفاقات بداية لانفراجات أخرى..تمهد لسلام دائم وشامل في اليمن الشقيق..وكلنا أمل أن يلتزم الحوثيون بتعهداتهم..رغم تاريخهم الذي لا يشفع لهم في نقض الاتفاقات..وأن يدركوا أن إيران تعبث بهم وتستخدمهم كوقود لتحقيق مطامعها..وأنها على استعداد للتخلي عنهم في أية لحظة..وأن المملكة العربية السعودية هي خيارهم الاستراتيجي وامتدادهم العرقي الطبيعي..ولكنها لن تقبل بحزب الله آخر وبمشروع إيراني آخر على حدودها الجنوبية مهما كان الثمن..وأنه ليس لهم..مهما طال الصراع..سوى أخوانهم الشعب اليمني.
وأعود إلى تصريح معالي الوزير اليماني ووصفه للحوثي بأنه أخوه رغم ما فعله..لأطالب العقلاء في اليمن وفي الجانب الحوثي بالذات إلى استثمار النوايا الطيبة وتغليب الحكمة التي اشتهر بها اليمنيون..والعمل من أجل المصلحة الوطنية العامة.. وتقديم التنازلات وإلقاء السلاح..والعودة إلى النسيج الاجتماعي اليمني..والعمل من خلال الساحة السياسية كإحدى المكونات اليمنية..لأن البندقية لن تحقق شيئاً..ولن تخلف سوى الأحقاد والدمار والجوع والأمراض..وهذا ما لا تريده جميع الأطراف.
يقول زهير بن أبي سلمى:
وَمَــا الـحَـرْبُ إِلاَّ مَــا عَلِمْـتُـمْ وَذُقْـتُـمُ
وَمَــا هُــوَ عَـنْـهَـا بِالـحَـدِيـثِ الـمُـرَجَّـمِ
مَـتَــى تَبْـعَـثُـوهَـا تَبْـعَـثُـوهَـا ذَمِـيْـمَــةً
وَتَــضْـــرَ إِذَا ضَـرَّيْـتُـمُـوهَـا فَـتَــضْــرَمِ
فَتَعْـرُكُـكُـمْ عَــــرْكَ الــرَّحَــى بِثِـفَـالِـهَـا
وَتَـلْـقَـحْ كِـشَـافـاً ثُـــمَّ تُـنْـتَـجْ فَتُـتْـئِـمِ
فَتُـنْـتِـجْ لَـكُــمْ غِـلْـمَـانَ أَشْـــأَمَ كُـلُّـهُـمْ
كَـأَحْـمَـرِ عَـــادٍ ثُـــمَّ تُـرْضِــعْ فَـتَـفْـطِـمِ
كتبه : صالح بن جريبيع الزهراني
الجمعة 14 ديسمبر 2018