على النقيض من طبيعة المعاملة التي تفرضها أحيانا قوانين دول غربية على الأجانب المسلمين في الدول الغربية الا أن معاملة المملكة العربية السعودية لرعايا هذه الدول تتميز بكونها ترتكز على مبادي إسلامية توليها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد الأمين جل الاهتمام والرعاية والتأكيد على تطبيقها في إطار ما تنص عليه القيم الإسلامية المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية ومصادرها.
ويستطيع الانسان عمليا اثبات حسن هذه المعاملات من خلال مشاهداته وانطباعاته عما يتم إزاء تعامل أبناء الوطن مع ضيوف المملكة من المسلمين وغير المسلمين. وسوف أسلط الضوء في هذا المقال على موقف النظام السياسي من وجهة نظر الإسلام تجاه الأجانب غير المسلمين. فنحن نلاحظ في بعض أحياء المدينة وجود مجمعات سكنية كبيرة لشركات أجنبية يعمل منسوبوها في قطاعات السوق المختلفة وفقا لتخصص الشركة ومجال استثمارها في بلادنا. هؤلاء الأجانب يتمتعون بصفة إقامة عمل نظامية وبالتالي هم ضيوف على بلادنا. ومما لا شك فيه أن الحكومة السعودية تهيئ لهذه الشركات المناخ الاستثماري المناسب وما يستوجبه ذلك من توفير خدمات أساسية كثيرة تتعلق بالحماية الأمنية والصحة والسكن ضمن الأحياء السكنية في المدن حيث تتوفر خدمات أخرى يشتركون فيها مع أبناء الحي السكني كخدمات محطات الوقود والمطاعم ومحلات المواد الغذائية والأسواق وأماكن ممارسة رياضة المشي وقيادة الدراجات الهوائية وغير ذلك من الخدمات.
وانطلاقا من المبدأ الإسلامي في استضافة وحماية الأجانب أمنيا فقد وضعت الشريعة الإسلامية اطارا شرعيا للتعامل معهم احتراما لحقوق الانسان والتزاما بمبادئ القانون الدولي. هذا الإطار هو الذي بنى عليه الإسلام عقد الأمان استنادا الى قوله تعالى: (وان أحدا من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه). كما يستند هذا العقد على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرتِ يا أمّ هانئ).
من خلال هذا الإطار الشرعي، أطلقت الشريعة الإسلامية على هؤلاء الأجانب اسم المستأمنين باعتبارهم أحد طرفي عقد الأمان الذي يمكن بموجبه دخول الأجنبي لدار الإسلام. "ومن دخلها فهو آمن". ولقد قسمت الشريعة الإسلامية المستأمنين الى قسمين: أجانب عاديون لا صفة لهم وهم الذين يدخلون البلاد لأي سبب، وأجانب رسميون جاءوا لبلاد الإسلام لأداء مهمات معينة. وقد سمح الإسلام للأجانب دخول بلاد المسلمين حتى تمتزج الشعوب وتنتقل المعارف، قال تعالى: (انّا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). فعندما يأتي الأجنبي غير المسلم الى دار الإسلام يسمى معاهدا. وفي المصادر الإسلامية تم تعريف المعاهد بأنه الشخص الذي أعطي عهدا يأمن به على ماله وعرضه ودينه. والمعاهدون هم أهل الكتاب من النصارى واليهود.
الأجانب العاديون هم الذين جاءوا لدار الإسلام بهدف الزيارة أو العمل وهؤلاء يمنحهم الإسلام عقد الأمان، أي رفع استباحة دم الأجنبي وماله، بمعنى أن له الحق في الأمان على النفس وعلى المال وعلى أفراد اسرته. ومن حقوق المستأمن الأخرى في الإسلام هو أن ينتفع بكل منافع دولة الإسلام بما في ذلك التقاضي أمام القاضي المسلم، ويمكن له أيضا أن يتزوج في دار الإسلام ويذهب بزوجته الى خارج حدود بلدها إذا أراد. كما أن له حق التجارة، ومن حقه كذلك أن تحمي دولة الإسلام نفسه وماله، وان كان خمرا أو خنزيرا، وان اعتدى أحد المسلمين على خمره وماله وأتلفه فعليه أن يعوضه عما أتلفه كما ورد ذكره في نصوص الدراسات الإسلامية.
وأما ما يتعلق بالواجبات المنوطة بالمستأمن، فمنها كما ذكر علماء المسلمين أن يحترم دين الإسلام وعقيدة المسلمين وشعائرهم وعاداتهم وتقاليدهم. كما يجب عليه وفقا لما أوردته مصادر الشريعة الإسلامية أن يمتنع عن كل ما فيه إهانة للمسلمين، وأن يكون خاضعا للأحكام المتعلقة بالأمن والنظام. وأما ما يتعلق بالجانب العقابي، فانه يعاقب المستأمن على الجرائم الماسة بحقوق الأفراد مثل القذف واتلاف المال. أما الجرائم المتعلقة بحكم الله كالزنا والسرقة فيرى الأحناف والشافعية أنه لا يعاقب عليها. قال أبو يوسف: " ان جميع الحدود ماعدا حد الخمر تقام على المستأمن، وذلك حفاظا على مصلحة الجماعة وزجر الجاني، في حين ذكر الأوزاعي والمالكية والظاهرية والأباظية أن حدود الله تقام على المستأمن محافظة على آداب وسمعة المجتمع، ولأنه التزم بتطبيق حكم الإسلام عليه. وأما المعاملات المالية فيطبق عليها القانون الإسلامي باتفاق حسب ما ذكره علماء المسلمين. وقد يشمل تطبيق القانون الإسلامي ابعاد او اخراج المستأمن بغير رضاه أو إلزامه بمغادرة دار الإسلام. ويتم استبعاده إذا علم منه خيانة أو شرا أو فسادا أو تدخلا في شئون الدولة. فعلى هذا الأساس يتم استبعاد المستأمن، دبلوماسيا كان أم غير دبلوماسي.
أما ما يتعلق بالقسم الثاني وهم الأجانب الرسميون فقد عرّفتهم بعض المصادر في الدراسات الإسلامية بأنهم رؤساء الدول والسفراء والقناصل والممثلين الشخصيين للرؤساء وكذلك الرسل أو المندوبين لأي مهمة. كل هؤلاء يجوز لهم دخول الوطن الإسلامي بهذه الصفة بدون شرط وبدون مدة زمنية محددة. غير أن علماء المسلمين أجازوا استبعاد الأجنبي الرسمي، أي إلزامه بمغادرة دار الإسلام إذا علم منه خيانة أو شرا أو فسادا. فعلى هذا الأساس يتم استبعاد المستأمن من دار الإسلام الى خارج الحدود. وفي هذا السياق اختلفت آراء بعض فقهاء المسلمين اذ يجوز عند الحنفية انهاء عقد الأمان من قبل الامام إذا رأى المصلحة في ذلك لأن الأمان عندهم عقد غير ملزم. وقال بقية الفقهاء" الأمان عقد لازم من جانب المسلمين". فعند الفقهاء لا يطرد المستأمن الا لسبب من الأسباب، كتهمة التجسس أو الخيانة أو التدخل في شئون الدولة.
ومن القرائن الدالة على صفة الرسمية هو أن يكون هذا الأجنبي حاملا لكتاب سياسي موجه لإمام المسلمين أو هدية أو رفع راية معينة كالراية البيضاء أثناء الحرب لعقد الصلح والمفاوضة، أو جواز دبلوماسي أو ارتداء لباس معين أو ابراز وثيقة رسمية، عند ذلك يعطى الأمان.
ومن المعالم البارزة لمعاملة الأجانب أنه روى أبو داود قال: (جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة الكذاب الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما: " أتشهدان أني رسول الله، قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسوله، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما) ... وهذا يدل على عصمة الرسول كما يدل على احترام الإسلام للرسل وعدم الاعتداء عليهم.
وفيما يتعلق بحصانة المبعوث السياسي، فان الفقه الإسلامي كما القانون الدولي، يعطي المبعوثين السياسيين امتيازات واعفاءات تسمى حصانات وهي ثلاثة أنواع:
الحصانة الشخصية والتعريف الفقهي لها هو تحريم كل تعرض أو اعتداء على شخص المبعوث وأشيائه وحقائبه السياسية ودار الاعتماد. وهذا يشمل عقد الأمان وهو توفير الأمن والطمأنينة لشخص المستأمن وماله وأولاده الصغار وأقاربه من جهة النساء وأتباعه ورسائله. وعموما لا ينبغي لشخص يحمل هذه الصفة من التعرض لممتلكاته الخاصة وماله ولكن ذلك لا يخرجه عن طائلة القانون عندما يقوم بعمل مخل بأمن الدولة. فقد يطرد نتيجة لذلك. أما ما يتعلق بشرب الخمر وأكل الخنزير فان القوانين الشرعية لا تمنعه من ذلك (داخل السفارة).
النوع الثاني من الحصانة هو الحصانة القضائية التي تقتضي بعدم خضوع رجال السلك الدبلوماسي للولاية القضائية للدولة الموفد اليها سواء في المسائل الجنائية أم المدنية أم الإدارية. ولكن ما يتعلق بحقوق الأفراد فان الأجنبي يخضع للمساءلة ويحاكم عما ارتكب من أعمال في بلاد الإسلام لأن حقوق الأفراد لها سلطان على كل اعتبار. وبالنسبة لحكم الشريعة فان المستأمن كالذمي، فهو ملزم بأحكام الشريعة بمجرد دخوله أرض الإسلام، أي يعامل معاملة الذمي تماما. وأما ما يتعلق بالحق العام فقد أعفوه الفقهاء من المسئولية الجنائية التي تتعلق بحق الدولة كالزنا والسرقة.
والنوع الثالث هو الحصانة المالية أي الاعفاء من الضرائب والرسوم المتفق عليها تشريعيا أو تعاقديا. وقد تباينت آراء فقهاء الإسلام في الحصانة المالية اذ يرى المالكية والحنابلة أن المستأمن في دار الإسلام لا جزية عليه فيها وذلك مدة بقائه في البلاد لأداء وظيفته أو مهمته. أي يبقى الاعفاء ساري المفعول مدة جلوسه في دار الإسلام.
ويرى الشافعية والأحناف أن المستأمن يعفى من الجزية الى أقل من عام ثم بعد ذلك يلزم بدفعها. وقال الفقيه أبو يوسف:" لا تؤخذ من الرسول الذي بعثه الروم ولا من الذي أعطي أمانا عشر الا ما كان معهما من متاع التجارة. أما غير ذلك من متاعهم فلا عشر عليهم فيه". وعلى هذا الأساس تكون أمتعة وحاجات السفير وحاشيته معفاة من الرسوم الجمركية المقررة على الأفراد العاديين. أما رأي الامام الشافعي فهو يقول: "إذا دخل علينا رسول وأقام مدة طويلة لا نأخذ منه شيئا لما مضى"، في حين يرى الامام المواردي أنه لو دخل الرسول، أي المبعوث، بمال لا يعشر. وان كان العشر مشروطا عليهم.
وخلاصة القول فيما يتعلق بالضرائب الجمركية فهم معفون منها وبإمكانهم ادخال أي شيء للسفارة. أما ضريبة الخراج فيمكن اعفاء السفراء أو الممثلين السياسيين منها، لأن الحق في فرضها لولي الأمر الحاكم فله استثناء بعض الناس من طرحها عليهم حسبما تقتضي المصلحة العامة.
من كل هذه المعطيات والنصوص الفقهية والشرعية والقوانين والأعراف نستنتج أن عدالة الإسلام وسماحته مفهومان يتصفان بالشمولية والعالمية بحيث أنهما لا يخضعان لاعتبارات تتصل باللون والجنس والديانة. كما نستنتج أن النظام السياسي في الإسلام يقوم على الشورى، والعدل، والمساواة، والحرية.