يا ماكثاً دهراً بغار حراءِ
صَلّت عليك ملائكٌ بسماءِ
أنت الأمين بمكةٍ ورحابِها
ولأنت حقاً سيّدُ البطحاءِ
من ذا تظلّله الغمامةُ غيركم
ولإن دعوت لأغدقَت بالماءِ
أنت الذي إيوانُ كَسْرى هُدّمت
شرفاتُه من نوركم وسناءِ
ولأنت من شُقَّ المنيرُ لأجله
فأنار بالايات والاضواءِ
عفواً حبيبَ الله من يمدحْكُمُ
يلقى الهناءَ بذِكْرِكَ الوَضّاءِ
هَدْيُ الاله كهالةٍ تمشي بها
فتكون نور العتمة الدَّهماءِ
أمّا خصالُك فهي كلُّ حميدةٍ
ولأنت وحدُك سيّدُ العُظماءِ
ولإن نطَقْتَ فليس تنطق عن هوىً
يا سيّدَ البلغاءِ والفصحاءِ
قالوا الأمينُ محمدٌ في طبعه
فاق الأنام بحكمة ورواءِ
والجود من كَفّيه أنعم بالذي
قد كان حقاً حاجةَ الفقراءِ
ولَكَمْ صبرتَ لدعوة الناس التي
فازت بحسن رؤاكُمُ ولقاءِ
سُمّيتَ(أحمد) والسماءُ تبسمت
يا بهجةَ الأرجاءِ والأنحاءِ
فمباركٌ في كل ما قد جئتَه
يا صاحبَ المعراج والإسراءِ
وعرَجْتَ يا خيرَ الخلائق للسما
صلّيت بالرُّسْل الأُلى بسواءِ
انت الشفيع بيوم حشرٍ سيدي
أنعم فإنك سيدُ الشفعاءِ
أنت المروءةُ والبلاغةُ والتُّقى
والصبر أنت على أذى الجهلاءِ
وإمامُ كل الرُّسْلِ أنت عظيمُهم
كُلٌّ يدين لكم بحُسْنِ وَلاءِ
وبَلَغْتَ من فضل الإله مكانةً
ما حازها أحدٌ من الشرفاءِ
ولأنت عند الله أشرف من أتى
فمكانُكُم في عاليَ العلياءِ
يا سيدي يا حاجتي في محنتي
إني ألوذ بآلك النجباءِ
يا (أحمد) الخيرات أنت مآلنا
كن لي معيناً يا أبا الزهراءِ
شيدت ديناً للاله محصناً
فسما إلى الافلاك والجوزاءِ
وبنيته لبنات في دمن الثرى
وجعلته للخير والإعطاءِ
وصحابة عظماء كانوا خيرة
بك يقتدون بفكرك اللّألاءِ
يتسارعون إذا دعوت لطاعة
يتسابقون بهمةٍ ورضاءِ
ومهاجرين وناصرين نبيهم
في اليسر او في العسر والبلواءِ
هم كالنجوم دعوتهم ومدحتهم
وقفوا وكانوا خيرة الخلفاءِ
ومضيت والإسلام عال شأنه
والدين منصورٌ على الاعداءِ
أكملته وكتاب ربك هادياً
والآي والتنزيل للقرّاءِ
إن قيل أحمدُ هلّلتْ أرجاؤها
لجمال وجهك قد سنت
ببهاءِ
ولانت بالأخلاق خيرُ مبشرٍ
شهدتْ بخلقك أكثرُ الاعداءِ
فإذا نطقت كأنها دررٌ سنت
والكلُّ صاغٍ يا لحُسن صغاءِ
لك في الحديث مقاصدٌ ومناقبٌ
هي غايةٌ وضمانة الأحياءِ
هذّبت أشرفَ أمةٍ يا مهجتي
فتدثروا بالحلة العصماءِ
شرّفتَ مكةَ بالولادة سيدي .
وبنيتَ أنعمْ في عظيم بناءِ
هاجرتَ للأنصار تبغي يثرباً
والعطرُ فاح بكامل الأنحاءِ
حُوْربتَ من أعداء دينك سيدي
ندموا وسُموا بعد بالطلقاءِ
العفو شيمتُكم وأنتم أهلُه
ولأنكم في القمة الشمّاءِ
يا سيدي انت الخلاصُ ملاذُنا
كن لي شفيعاً سيدي وضيائي
قالوا حبيبُ الله قلتُ محمدٌ انت الحبيبُ أيا رجاءَ رجائي
يا سيدي الإسلامُ يشكو محنةً
فادعو إليه بمنّةٍ ورجاءِ
من بعدكم تبكي العيونُ بحُرقةً
لخلافنا ولخوفنا وعناءِ
وسيستجيب اللهُ دعوتكم لنا
إن كفكم رُفعت لربّ سماءِ
قد غبتَ عنا والقلوبُ كليمة
والبرءُ أنت وحاجتي ودوائي
أنت الشفاءُ وأنت طبُّ جَناننا
صلتْ عليك ملائكُ العلياءِ
أكملتَ دينَ الله صُنتَ حدودَه
من حاسدٍ أو حاقدٍ ومُراءِ
صلى عليك اللهُ يا خيرَ الورى
يا خيرةَ الأمواتِ والأحياءِ
يا منتهى الحب الذي لا ينتهي
بوركتَ في أرضٍ لنا وحواءِ
إنّا نحبك سيدي ذا قصدُنا
يا (أحمد)يا صاحب الاسراءِ
مع التعليق النقدي د.عبد المطلب الشرقاوي
في قصيدة رائعة تناطح نهج البردة لشوقي، و تكلل هامة الشعر العربي بإيداع خلاب يأخذنا بعيدا لعظمة نبي، وجلال أمة كانت ذات يوم تحكم الدنيا ، تكتب هيفاء الأمين قصيدتها في ذكرى ميلاد النبي - عليه الصلاة و السلام .
تبدع تجربة شعرية فريدة تأخذ قيمتها من شموخ الذكرى و روعة الصياغة...
غمست الشاعرة قريحتها في قنينة النبوة ففاحت عطرا و القا منقطع النظير.
تزاحمت مفردات السيرة النبوية رأس المبدعة...مادت موهبتها باثقال مواقف مهيبة شاهقة...آثرت إلا أن تجمع في سلال القصيدة كل ما تصل إليه يداها من قطاف النبوة.
وقفت الشاعرة عند مكانة النبي قبل البعثة ،و عند المعجزات التي صاحبت ولادته ، ثم عادت مرة أخرى لتتحدث عن مكانته بين العرب، وبين الأنبياء في رحلة الإسراء و المعراج، ثم منزلته يوم القيامة و شفاعته لأمته، و أثره في صحابته و المسلمين، ثم هبطت من هذا السمو النبوي إلي اوحال الواقع ...نزلت من قمة المجد المحمدي إلى قاع المأساة في حاضر أمته التي صارت هباء و غثاء....تستنجد به- عليه الصلاة و السلام - لعلها تحل بالدعاء ما عجزت عن حله الأمة بالسياسة او بالقوة .
والقصيدة من ناحية البناء تبدو و كأنها معارضة شعرية لهمزية أحمد شوقي التي مطلعها:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
و فم الزمان تبسم و ثناء.
لكن الشاعرة وضعت بصمتهاالسحرية من لغة علوية تنساب من فراديس سماوية، و خيال منطلق ينهل من قريحة اعتادت التحليق في ربوع الفتنة المونقة العذراء ،و تجمع أصداف من تراث عربي عتيد و حاضر شجوي مريد.
هنيئا لنا بها من شاعرة كتبت فأبدعت ،و عبرت فأجادت و أعادتنا لعصر المطولات الشعرية .