بقلم - ناتالي غوليه - عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي
نشبت الكثير من الصراعات في الشرق الأوسط خلال السنوات السبع الماضية، لدرجة أنه كان من الصعب معرفة أيّ التهديدات يستحق اهتمامنا وردودنا أكثر.
ولقد استحوذ تنظيم داعش في العراق وسوريا على تركيزنا خلال السنوات الأخيرة، لا سيما هجمات "الذئب الوحيد" المتزايدة التي تبنّاها التنظيم في أوروبا.
وكان دهاء الدولة الإسلامية في الإعلام قد جعل تجاهلها صعبًا، لكنّ هدفهم الأساسي المتمثل في إقامة هيكل دولة إرهابي سني جهادي لم يكن ناجحًا في نهاية المطاف، إذ أصبحت المجموعة الآن هاربة.
في حين فشل الجهاديون السنة، حقق نظراءهم الشيعة النجاح فقد بسط حزب الله سيطرته على مساحاتٍ شاسعة من لبنان وسوريا، كما تسيطر الجماعات المدعومة من إيران بشكلٍ شبه تام على الأراضي العربية في العراق.
وبلا شك، يمثّل الحوثيون التهديد الأعظم، وقد أسماهم البعض "حزب الله اليمني" بعد لقائهم بزعيم حزب الله حسن نصر الله في أغسطس الماضي. لقد هيمن المتطرفون الحوثيون على بلدٍ دمّره الفقر والنزاع القبلي والفساد، وزعزعوا استقراره.
وبوصفي رئيسة مجموعة الصداقة البرلمانية الفرنسية اليمنية، شعرت باليأس وأنا أرى الوضع يزداد سوءًا، وخاصةً بعد انطلاق الربيع العربي في 2011، ففي كثيرٍ من الأحيان، كان اليمن وشعبه خارج نطاق رادار المجتمع الدولي.
من قاعدتهم في العاصمة اليمنية صنعاء، صممت ميليشيات الحوثي دولةً إرهابية، واستخدموا سيطرتهم على اليمن ليس فقط لاستفزاز الشعب اليمني، بل أيضًا لاستفزاز عدو إيران اللدود، المملكة العربية السعودية، عبر إطلاق الصواريخ الباليستية على مطار الرياض، ومؤخرًا على مطار دبي.
إن الرعاية الإيرانية - البعيدة عن السريّة - هي مصدر فخر للحوثيين، الذين استعاروا أيضًا شعار إيران الثوري: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
ورغم كل هذا، لم تُعر عواصم الغرب التهديد الحوثي الاهتمام اللازم، ولم تحظر وزارة الخارجية الأميركية أو حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي الحوثيين لكونهم جماعة إرهابية. وهذا يعني أنّ دعم الحوثيين أو حتى جمع الأموال لهم يُعدّ قانونيًا.
ولم يكن السماح بجمع الأموال لهم كافيًا، بل تحوّلت بعض وسائل الإعلام والسياسيون إلى التساهل الصريح مع الحوثيين والدعوة للتضامن معهم أيضًا. فالعديد من الصحف السائدة وعالية المصداقية تخصص أعمدةً لما هو في الأساس دعاية إرهابية.
وبشكل لا يصدق، أعرب العديد من أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية مؤخراً عن دعمهم للجهاديين الشيعة رغم سيطرتهم على الحُدَيدة، والتي تسببت في حدوث مجاعة على نطاقٍ واسع.
ويمكننا تفهّم ارتفاع الشعور المعادي للسعودية في الوقت الحالي، ما يجعل المواقف المناقضة أكثر جاذبية للبعض. ويبدو أن الحوثيين يستفيدون بوقاحةٍ من المشكلة التي تواجه صورة المملكة العربية السعودية.
لقد شاهدتُ الوضع المأساوي عندما سافرت في مايو إلى اليمن مع وفدٍ رسميّ. رأيت الحصار الخانق الذي فرضه الحوثيون على الموانئ والطرق، ما أدى إلى حدوث واحدةٍ من أكبر الأزمات الإنسانية في عصرنا.
وزرت أيضًا خط المواجهة للاستجابة الإنسانية الذي تقوده منظمات دولية غير حكومية بالإضافة إلى لاعبين إقليميين، مثل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. وأنصح مؤيدي الحوثيين الذين يجلسون مرتاحين في لندن أو بروكسل أن يذهبوا في مثل هذه الرحلة.
من السهل أن ننسى أن قوات التحالف في اليمن تحارب الإرهاب بطلبٍ من الحكومة اليمنية وبحضور الأمم المتحدة. إلا أنهم لا يحاربون الإرهاب فحسب، بل يقاتلون الجنود الأطفال. لقد وثّقت منظمات غير حكومية، بمن فيها منظمة العفو الدولية والائتلاف اليمني لحقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، جرائم الحرب التي ارتكبها الحوثيون، بما في ذلك عمليات الإعدام غير القانونية، والموت تحت التعذيب، وإساءة معاملة الأطفال.
وعلى الرغم من ذلك، أُتيح لزعيم التنظيم الحوثي، محمد علي الحوثي، كتابة عمود رأي في صحيفة واشنطن بوست، وهو بالتأكيد من القرارات التحريرية الأكثر إثارة للجدل في هذا العصر.
يشكّل هذا النوع من القرارات التحريرية خطرًا عند مناقشة بلدٍ مثل اليمن، الذي لم يكن من السهل على الناس في الخارج فهمه بكل سياساته القبلية وفساد أنظمته.
تشهد المنطقة بأكملها قفزةً هائلة في مجال الإصلاح والتقدم، بدءًا من علاقات إسرائيل المتجددة مع جيرانها العرب، ووصولًا إلى رؤية ولي العهد السعودي 2030. وفي حين يوازن الشرق الوسط بين الحداثة والتقدم، والتقاليد والمحافظة، فإنه من الضروري ألا يترك اليمن وراءه – وهو بالضبط ما يريده الحوثيون.
يكمن حل مشاكل اليمن في الدبلوماسية، وليس بالانغماس في الدعاية الإرهابية من مكانٍ آمن في واشنطن. إن المنطقة محظوظة بوجود وسطاء حكوميين مهرة، مثل سلطنة عمان، الذين لديهم علاقات للتوسط بهدف الوصول إلى اتفاق سلام بين الجانبين.
بعد سنوات من اعتبار اليمن "أولوية منخفضة"، على المجتمع الدولي تحمّل بعض المسؤولية فيما سيحدث خلال المرحلة القادمة. وكذلك الأمر بالنسبة للنظام الإيراني، الذي تشجّعه نجاحاته في سورية ويسعى إلى تكرارها في اليمن. إيران لا تخشى العقوبات، إذ تمتعت في ظلها بسنواتٍ من الخبرة في البقاء والازدهار.
لكن ربما يمكن إقناع طهران بالتركيز على شعبها واحتياجاتهم، بدل إبراز قوتها في جميع أنحاء المنطقة والتسبب باضطرابات على حساب إهمال مشاكلها الداخلية. إن الأموال التي أنفقتها إيران على وكلاء الإرهاب في الخارج - ليس فقط في الشرق الأوسط، لكن في جميع أنحاء العالم – ضرورية للمدارس والمستشفيات والبنية التحتية في الوطن، وهو ما عبّر عنه المتظاهرون في جميع أنحاء إيران خلال الأشهر الأخيرة.
هناك أمرٌ واحد مؤكّد، وهو أنّه لا يمكن للوضع الراهن أن يستمر. نحن بحاجةٍ إلى فهمٍ عادل ودقيق للواقع على الأرض، ولا بدّ من وضع حدٍّ للإرهاب الحوثي وجرائم الحرب التي يرتكبها. وتكمن الخطوة الأولى في إغلاق شبكات دعمهم، حتى لو كانت في غرف الأخبار في واشنطن وأوروبا.