بعدما ناور الحوثيون في بيانهم حول التعاطي مع الدعوة الأميركية الحديثة لوقف الهجمات بالصواريخ الباليستية ضد السعودية والإمارات التي يعقبها بعد ذلك هدنة «عاشرة»، والشروع في مشاورات تسوية؛ جاء رد الميليشيات المدعومة من إيران «عمليا» وبطريقة «إرهابية» كما يسميها التحالف، بإرسالها صاروخا باليستيا تجاه مدينة نجران جنوب السعودية في وقت مبكر من صباح أمس (الجمعة).
المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية في اليمن العقيد الركن تركي المالكي أعلن في بيان أن الصاروخ انطلق من صعدة (معقل الميليشيات الحوثية)، وجرى اعتراضه وتدميره من دون تسجيل إصابات في المنطقة التي استهدفها، رغم أنها منطقة آهلة بالسكان.
قبيل ساعات من إطلاق الصاروخ الباليستي، ذكّر متحدث باسم الخارجية الأميركية بأن السعودية والإمارات لديهما الحق في الدفاع عن حدودهما. وشدد نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية روبرت بالادينو في إيجاز صحافي «على مواصلة الحكومة الأميركية دعمها لهذا الحق»، طبقا لما أورده موقع وزارة الخارجية الأميركية الإلكتروني.
وبعيد تدمير الصاروخ، يسجل لقوات الدفاع الجوي السعودي تدميرها 206 صواريخ باليستية حوثية، وقال بيان التحالف إن الصواريخ الحوثية «تسببت في استشهاد 112 مدنياً من المواطنين والمقيمين في السعودية وإصابة المئات».
في الأثناء، قال المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث إنه ذاهب إلى ملاقاة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قبل أن يعلن الموعد النهائي للمشاورات المقرر عقدها في السويد. وقال غريفيث في مقابلة مع «سي إن إن» إنها ستعقد في نهاية الشهر.
وسئل المتحدث الأميركي في الإيجاز عن قراءة من بعض اليمنيين بأن الدعوة الأميركية الأخيرة تفيد بأن هناك خطة أميركية لتقسيم اليمن، فأجاب قائلا: إن غريفيث سيتولى القيادة في التسوية السياسية.
وريثما تحدد المواعيد النهائية للمشاورات، استوضحت «الشرق الأوسط» آراء خبراء حول المستجدات السياسية في الملف اليمني، إذ يعتقد عبد الله الجنيد الباحث السياسي البحريني في مركز «سمت» للدراسات بأنه: قبل الإجابة على دعوة الولايات المتحدة لجلسة حوار مباشر بين الأطراف المتصارعة في اليمن قبل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري في السويد، على الطرف الداعي (الولايات المتحدة) تحديد الأهداف السياسية لمثل تلك المشاورات والآليات الحاكمة لها. فقد سبق لأحد الأطراف، ونحن نقصد الحوثيين هنا تحديدا، أن حنث بوعوده في محادثات الكويت وجنيف. وذلك ما أكده وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في ندوته بمعهد السلام الأميركي، وقد تبين للمجتمع كيفية توظيف الطرف الحوثي للظرف الزمني لعمليات التفاوض في إعادة التسلح وإعادة الانتشار العسكري ميدانيا.
«على الولايات المتحدة الأميركية أن تعي حرج المرحلة إنسانيا قبل أن تراها سياسيا وما تمثله تلك التحديات للشرعية اليمنية ودول التحالف»، ويقول الجنيد: «فهل تلك الدعوة لا تعدو مناورة أميركية قابلة للتوظيف السياسي في الانتخابات النصفية، أم إنها عازمة على إعطاء دور جديد لإحدى الدول الخليجية في الملف اليمني بعد فشل الكويت في ملفي الأزمة الخليجية واليمنية. وهل يملك ذلك الطرف ضمان الطرف الحوثي بما يحقق المصالح اليمنية وإنهاء الصراع السياسي».
ويتابع الباحث السياسي البحريني: «يتحتم على الشرعية اليمنية والتحالف إنجاز الحد الأقصى الممكن من عملياتهم العسكرية المشتركة تحضيرا لجولة محادثات أكثر واقعية واتزانا، كذلك يتعين عليهما بلورة موقف سياسي معلن وواضح في حال قرر الحوثي المناورة من خلال ذلك المؤتمر، ذلك بالإضافة للدور الذي سيلعبه الطرف الأميركي في هذا المؤتمر تحديدا. ليس ذلك من باب التحوط أو التشكيك في نوايا الغير، لكن السوابق الأميركية في الكثير من الملفات كانت عنصر إرباك لا عامل تحفيز في العمليات السياسية».
من ناحيته، يرى آدم بارون الباحث الأميركي في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي أنه «يشير الجمع بين تصريح بومبيو والإعلان عن محادثات السلام في استوكهولم في نهاية الشهر إلى قوة دافعة محتملة نحو العودة إلى المسار السياسي. لكن يبقى الكثير غير مؤكد – ليس أقلها مسألة كيفية استجابة مختلف الأطراف في اليمن للضغوط الدولية الجديدة».
يشار إلى أن الحكومة اليمنية أبدت استعدادها للتعاطي الإيجابي «قولا وفعلا» مع التمسك بالمرجعيات. ويبقى مدى قدرة الولايات المتحدة على إلزام الحوثيين بالحضور أولا إلى «السويد»، «من دون شروط لحظات أخيرة»، والأهم من ذلك إلزام الحوثيين بنزع السلاح والانسحاب من المدن والانخراط في العملية السياسية.
يقول البراء شيبان الناشط السياسي اليمني: «أعتقد بأن جماعة الحوثي لا تفاوض على استحقاقات سياسية، وهذا هو النقاش الذي لا يدور في الطاولة عمليا، فالجماعة تريد إبقاء قدرتها على التسليح ووجود تشكيلاتها العسكرية، وقدرتها على التمدد خارج الجغرافيا التي تسيطر عليها».
بيد أن المفاوضات لا تضمن للميليشيات الحوثية بقاء القدرة على التسليح، ويقرأ الناشط السياسي أن «هذا ما يفسر حرصهم على ميناء الحديدة، وبقاء تشكيلاتهم العسكرية»، متابعا: «تجربتهم العملية السياسية هي محصلة لتثبيت وجودهم العسكري على الأرض، وهذه النقطة التي لا يستطيع أي طرف، وحتى المبعوث الأممي أن يحققها لهم، لأنهم لن يقدموا لهم هذا التنازل الكبير جدا»، وبالتالي – والحديث لشيبان – «فإن وجودهم كميليشيات مسلحة أفضل لهم بكثير من شرعنة سلاحهم أو من وجودهم العسكري ضمن عملية شرعية».