الشكل والمضمون، العنوان والمحتوى، المظهر والجوهر،مصطلحات متعاضدة في الغالب وقد يعارض أحدها الآخر. إلا أن العلاقة بينها ينبغي أن تكون تكاملية، فلا يوجد أجمل من المحتوى إلا عنوان المحتوى والمظهر إلا الجوهر وهكذا..
هناك الكثير من الشعارات والعناوين البراقة لكيانات أو محتويات نصوص أو كتب ضعيفة. وهناك محتويات ثمينة قتلتها العناوين الهشة.
العنوان الجميل كبطاقة العبور لما بعده. والاعتناء به من أهم مقومات المقالة الجميلة. ويعتبر كالإطار الخارجي للكنز المخفي.
في أسواق الذهب أول ما يجذب الزائر جمال الديكورات الخارجية، والإضاءات الباهرة. ولا يعني هذا أن يطغى جمال الشكل على جمال المضمون، وهما في كفة واحدة من العناية والاهتمام فإن طغى جانب أخل بالجانب الآخر.
هذا التناقض هو الذي استثار عفريت الشعر عند أبي نواس لمّا رأى "خالصة" جارية هارون الرشيد، ولم ير فيها من مقومات الحسن والجمال سوى عقد من الذهب يتلألأ على عنقها ليصف المشهد قائلاً:
"لقد ضاع شعري على بابكم ** كما ضاع عقد على خالصه".. واستطاعت الجارية أن تحفظ هذا البيت بسرعة فائقة. ثم نقلته إلى هارون الرشيد في اليوم التالي، فغضب عليه ثم أرسل بطلبه. فحضر أبونواس وعندما سأله عن البيت أنكر قائلاً: لم أقل هذا وإنما قلت: "لقد ضاء شعري على بابكم ** كما ضاء عقد على خالصه"… وخرج من المأزق بكل دهاء!
الحياة لا تخلو أحياناً من وجود بعض التعارض، والكمال فيها نسبي. لكن حالة الازدواجية الصارخة التي تصل إلى درجة الإخلال البيّن هو الأمر المرفوض على المستوى الشخصي أو الاجتماعي أو المؤسسي.