يُخطئ كثيراً من الناس اليوم في فهمهم أن الخطاب الديني نجاحه باستعمال الغلظة في القول وتجريح الناس وتسفيههم. وهذا لايحقق شيئاً في واقع الخطاب الديني ، وذلك أنّ النفوس جُبلِت على من أحسن إليها ، ومن الإحسان اختيار الكلمة الطيبة النابعة من القلب السليم الذي امتلأ محبة للخلق ، فتشتاق النفوس إليها للإنتفاع بها.
والمتتبع لخطاب الأنبياء عند أقوامهم يقف على بينة من الأمر بأنّهُ ليس هُناك نبي من أنبياء الله إلاّ واتخذ الكلمة الطيبة منهجاً في حديثه مع قومه ، ففي نوح عليه السلام يدعوهم إلى العبادة مستعملاً أسلوب الترغيب في بداية الأمر ( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ، يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجلٍ مسمى).
فغفران الذنوب إنما نتيجة عبادة والتزام بتقوى الله وطاعته.
وفي موسى وهارون إلى فرعون يتجلى موقف القول اللين في مواجهة من طغى فقال أنا ربكم الأعلى ، فمهما كانت الأمور ، فلم يترك المولى لهما طريقا لنجاح مهمتهما إلاّ وبيّنه ، وأبرزها وأجلّها ( فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى).
فضمن الله لهما الفوز وتحقيق الأمل المطلوب بالقول اللين.
والاقتداء بسيد الأنام صلى الله عليه وسلم مطلب لنيل رضى الله سبحانه وتعالى .
ومن الاقتداء اللين في الخطاب والرفق في المعاملة ،والبشاشة على الوجه ، والسماحة في القلب .
وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم (( لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولاتؤمنوا حتى تحابوا ، أولاَ أدلُكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم))، فانظر كيف قرن النبي عليه الصلاة والسلام بين الإيمان والحب ، وكيف أرشد أمته إلى سلوك هذا الطريق القويم ، طريق المحبة واللين.
ولا يتصور الحب من قلب غليظ شديد ، فقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (( ولوكنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك))، إذاً فصاحب القلب اللين تنجذب إليه القلوب ، وتُدفع عنه المثالب والعيوب.
وقد فهم هذا الأمر الصحابة رضوان الله عليهم ، فتمثَّلوه في حياتهم ، ولم يُنقل إلينا قطعاً أنّ صحابياً قال لأخيه المسلم : ياكافر ، أو يافاسق، بل نجد في عهدهم نماذج نيرة تبين عمق فهمهم لهذا الدين ، ورغبتهم فيما عند الله رب العامين ، فسلمان الفارسي يدخل الإسلام ، وكل صحابي أمنيته أن يكون من قبيلته ، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يقول ( ( سلمان منا آل البيت) ) ليستشعره من خلال الموقف بكلمة عظيمة ، وهذه الكلمة :أنه من آل بيته.
وموقف للنبي صلى الله عليه وسلم لاننساه في فتح مكة ، وذلك عند مال قال لقريش : ماتظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ،فقال : إذهبوا فأنتم الطُلقاء.
فإطلاق النبي سراحهم وعدم معاقبتهم أنهم ذكروا له كلمة طيبة خرجت من أفواههم ، تذكره بعظمة الكلمة ، على أنّ ناطقها يكون محترماً بين الناس.
كم من خطب أٌلقيت وتم فيها تجريح وتفسيق وتكفير فأدت إلى تنفير الناس ، وإبعادهم عن اتباع طريق الحق ، مع أنّ الله قال لنبينا (( وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً))؟
منابرنا ينبغي من يعتليها أن يكونوا من أهل التحبيب والترغيب والتيسير والتسهيل ، دون التضليل والتكفير والتفسيق والتنفير والتعسير.
فنجاح الخطاب الديني إذاكان صادراً مِمَّن يشعر بإصلاح غيره من خلال الكلمة الطيبة اللينة السهلة.
بقلم الشيخ : نور الدين محمد طويل إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بدرانسي شمال باريس