أغلبنا شاهد مقطع الفيديو المتداول لعامل النظافة الذي واصل تأدية عمله أثناء هطول الأمطار وذلك في أحد شوارع مكة المكرمة. وهذا المنظر لاقى الكثير من الاستحسان لدرجة أن أمين مكة المكرمة وجه بتكريم العامل على حُسن إخلاصه في العمل. وهي بادرة حسنة أن يُكافأ المرء نظير أداءه عملاً في ظل ظروف سيئة. وهذا يقودنا لمبدأ هام من مبادئ العمل، وهو الإتقان. وهذا المبدأ كما لا يخفى يندر الحصول عليه عامةً بين العمال، سواءً كانوا عمال نظافة أم عمال في وزارات. وندرة "الإتقان" تعود في الغالب لندرة الصفات الشخصية أو الخصائص المهنية المنضوية في عمل من الأعمال أو فرد من الأفراد.
فإذا كنا ننظر للإتقان على أساس وجوب توافره في كل عامل، فنحن بالتالي نسعى لأمر يصعب تحقيقه. صحيح أن الإتقان من الواجب أن يتضمن كل عمل، لكن في المقابل نحن نتعامل مع "بشر" ، والبشر بطبيعتهم "كأفراد" لا يتأتى لهم عنصر الإتقان إلا عندما تكون نسبة الأخطاء في عمل كل منهم "صفر". ونتيجة لذلك لا يمكن تحقيق الإتقان إلا من خلال الأجهزة والآلات وفي القليل من أعمال البشر.
وعودة لمقطع الفيديو، فقد استهجن البعض استحسان عمل العامل، وقالوا بأن هذا هو الأصل في العمل "يعنون الإتقان". وليس هناك من داعي لتكريمه أو الإشادة به. وهؤلاء ينظرون عادةً للأمور من منظور "مثالي" لا يتماشى مع طبيعة العمل البشري ولا حتى مع أفضل التجارب والممارسات. فالإتقان في نظرهم في متناول كل عامل، ولا يجب أن يُكافأ عليه.
والسؤال لهؤلاء المثاليين: كم من الناس يستطيع أن يصل بدرجة عمله للإتقان؟ في الغالب لن تكون هناك إجابة متفق عليها، لأن معايير الإتقان متفاوتة ومتعددة، ولا يبقى إذن إلا القول بأن الإتقان مرحلة يأمل العمال الوصول إليها، إنما لن يصلوا إليها جميعاً.
والجدير بالذكر أن أفضل الممارسات العالمية في تقييم الأداء الوظيفي تقول بأن (العمال المتقنين للعمل لا يتجاوزون 10% من إجمالي العمال). وهذا يعود بنا لما ذكرناه بأن الإتقان لا يتحقق إلا من خلال الأجهزة والآلات والقليل من الناس.
خلاصة ما أريد قوله هنا، أن الإتقان في العمل هو "أمل الجميع" ، إنما تحقيقه على أرض الواقع فهو صعب. ولذلك ليكن الإتقان "قيمة" أساسية للمخرجات التي تعتمد على العناصر الغير بشرية، إضافةً لقيمته كمحفز للعمال للوصول إليه أو ما يقرب منه. لكن يظل الواصل إلى الإتقان مستحق للمكافأة والإشادة لأنه عامل نادر.