كتبتُ لكَ أمسِ كتاباً فيهِ حرقَةٌ وكسْرَةٌ ، فأرجو أن تكونَ قرأتَهُ فإني شكوتُ لكَ بهِ مِنَ كلِّ ما ألَمَّ بي منْ ألَمٍ وحسرَةٍ كأني أشكو لكَ نفسَكَ ، وحتى كأني أحسِسْكَ بما فعلتَ فمتى تفتحِ الكتابَ تجدْكَ ومتى تصفَّحْتَهُ تراكَ وإن سألتَ مَنْ الذي أردتَّ بقولِكَ ؟
ستكونُ أنتَ ، كيفَ لا وأنتَ الذي مزَّقَ كلَّ كتاباتي وأحرقَ كلَّ أشعاري ، وكمْ بكيتُ في أحلكِ الليلِ ووشوشتُكَ بكلماتٍ أنتَ تحبُّها ، فسألتَني هلٍ تحبينَني؟ فأجبتُكَ : وهلْ تسألُني وأنتَ ترددُ كلمَةً اعتدتَّ على قولها " لا تحبيني كثيراً فالحبُّ أحياناً خطرٌ " وتكلمتَ بشيء
آخرَ أحبُّ أن أذكرَهُ لكَ ، فأنتَ القاتلُ بلا حُبٍّ فالحبُّ شرٌّ حتى في أحلى ساعاتهِ ، ولقد لملمْتُ نفسي وبكيتُ منْ وجْدٍ وصبوَةٍ ، وأنتَ في برجٍ عالٍ لا تكادُ تسمعُني وكأنكَ تمثالٌ من رخامٍ فيهِ كلُّ الجمالِ وفيهِ كلُّ الجيرةِ فكيفَ بكَ ياسيدي وكيفَ لكَ أن تحبَّ ؟ فأنا أستميحُكَ عذراً إن قلتُ لكَ ارجعْ وكنْ إنساناً فيهِ حبٌّ وكرْهٌ وحسرَةٌ وآهَةٌ ، فإنْ لمْ تفعلْ فأنتَ تذكرني حتشبسوت التي أحبَّتْ وحولَتْ محبَّها إلى صنَمٍ تعبدُهُ فإياكَ أن تكونَ مثلها فتحولَُ نفسَكَ إلى وثنٍ جميلٍ وتنادي بأنكَ أحببْتَ فهذا ليسَ حباً سيدي فأنتَ تحبُّ
ذاتكَ وتراها في كل مَنْ أحببْتَ وإنكَ تحرقُ كلَّ ما فيكَ منْ شعورٍ وقدْ بقي القليلُ ، وتكادُ تقسمُ بالله إنكَ تحبُّ ، فهلْ تحبُّ تشتتَكَ ونكرانَكَ فأنتَ الذي أحَبَّ ولمْ يقرَّ بما فعلْ ، فكأنهُ ارتكبَ جُرْماً كبيراً وأمراً خطيراً ، وحلالُهُ أن يبرأ منَ الحبِّ فتبرأ شأنهُ شأنَ مَنْ آمنَ ثم كفرَ وأسلمَ ثمَّ ارتدَّ ، فأسألُكَ سيدي ألا تحبُّ ذاتكَ ولا ترى إلا نفسَكَ ، وإن برأتَ من كلِّ حبٍّ ألا تحبُّ مَنْ خلقكَ فَتُبْ إلى الله فقدْ خلقَ الخلقَ وأحبَّهُمْ وكمْ منهمْ مَنْ عصاهُ ومنْ عاندَهُ وهو لا يراهم إلا بعينٍ ملؤهَا حُبٌّ ، فكيفَ بكَ وأنتَ ترى مَنْ خلقكَ وهو يحبُّكَ
وأنتَ لا تحبُّ أدراكَ فربما أحببتَ يوماً ومددتَّ يدَكَ إلى خالقكَ تستجديهِ محبَّتَهُ ، وأنتَ في كسرَةٍ وحزنٍ وكأنَّ لسانَ حالِكَ يقولُ ألسْتُ عبدَكَ فتحبني وأنتَ في كلماتِكَ متلعثمٌ وتكادُ تبكي في صمْتٍ فأنتَ لا تُحْسِنُ البكاءَ حتى ولا تُحْسِنُ الحُبَّ .