كم أضرت الأنانية والمحسوبية بمستقبل الإعلام في الوطن العربي.. والسبب يعود لافتقار نَفَر كثير ممن ظهروا في المشهد الإعلامي من صحفيين وكتاب للموهبة والثقافة في الوقت الذي حرم فيه المجتمع من قدرات خلاقة في الفضاء الإعلامي لأن هؤلاء لم يجدوا من يقدمهم.. لا تصدقوا العبارة التي تقول: (السلعة الجيدة تسوق نفسها).. فالأمر في وطننا العربي المجيد لا يخضع لاعتبارات الجودة.. لن يكفي أن تكون موهوباً لتصل.. تحتاج إلى أن تبحث عمن يقدمك.. فتش عن هذا المفتاح ولا تهتم بجودة البضاعة فلم يعد هناك من يقرأ والسبب يكمن ببساطة في انخفاض مستوى ما يكتب.. لقد توارى كتاب مجيدون حين فقدوا المنصب الذي يبقيهم في دائرة الضوء ولَم تشفع لهم أقلامهم ومواهبهم للاستمرار!
أكثر الذين يكتبون في الصحف الرسمية مفلسون تقليديون ويقدمون على إعتبار أنهم النخبة ولفظ النخبة فرضية نستطيع أن ننفيها بفتح المجال لمسابقة تنافسية لاختيار جيل جديد من الكتاب الموهوبين قبل أن يتساقطون ويتوارون مثل غيرهم على امتداد حقب شاعت فيها مظاهر الاتكالية والشللية والمحسوبية!
افتحوا المجال لمسابقة في فن كتابة المقالة على غرار تلك المسابقة التي ينصب للشعراء الشعبيون فيها أميراً وسيودع بلاط صاحبة الجلالة قوم كثيرون مفلسون تقليديون سطحيون سبقهم الزمان وباتوا في (خبر كان) فما عاد يقرأ لهم أحد!
ولم يبق غير النحو يحمل كلاماً هزيلاً يملأ بياض الجريدة أو صفحات الكتب.. نعم أضحت الصحيفة درس لطلبة النحو بفضل الأساتذة المصححين الموهوبين ولو نشر النص كما جاء من كاتبه لهدمت جمل في أصلها ركيكة ولَم يبق للنص شكلاً ولا مضمونا!
لا شعر.. لا نثر.. لا لغة مفهومة.. فما قيمة تلك الحصانة اللغوية أمام كلمات ليس لها معنى أو هي أقرب إلى السطحية ويقدم أصحابها على أنهم النخبة في الصحافة والإعلام؟!
في انتظار جيل من المبدعين لا المتسلقين ليظهروا لنا تلك الكنوز الإبداعية في النثر بمختلف فنونه.. والمنصة التي تقدم هؤلاء - بعد تقاعس رؤساء التحرير بالقيام بواجبهم نحو تقديمهم وتعاملوا مع المهمة على أنها مجال رحب للعلاقات الشخصية - هي مسابقة لأمير كتاب المقالة وسيظهر لنا أمراء يثرون الساحة الإعلامية بعطاء يحلق بِنَا بعيداً في آفاق من الإبداع والإمتاع!
نحتاج حقًا الى إعادة التفكير في منهجنا الثقافي والقضاء على الفساد المتجذر في وسائل الإعلام وخلق بيئة صحية ينشأ فيها المبدعون.. علنا نعيد للكلمة توهجها والنص جماليته وللعقل منبره الذي تصان به الكرامة .. كرامة الناس والكلمة !