الإسلام منذ بزوغ فجره إلى يومنا هذا قدم للإنسانية أروع سبيل ، مسلكه إلى برالأمان ، لايزيغ عنه الا هالك خاسر.
فجاءنا بمنهج التيسير دون التعسير ،والتسهيل دون التشديد ، والإنفتاح دون الإنغلاق .
فكان الرجل يأتي من البادية بعد سماعه ببعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليسأله عما ينجيه من عذاب الدنيا والآخرة ، وليعيش سعيدا، فيخبره بالصلوات المفروضة في اليوم خمس مرات ، وفي الصيام شهر رمضان.
ثم صلوات الله وسلامه عليه يرسل الصحابي الجليل معاذ ابن جبل رضي الله عنه إلى اليمن فيوصه بدعوتهم إلى الإيمان بالله ورسوله ، ثم الصلوات الخمس ، إلى الزكاة.
فالنبي أمام البدوي لم يستثقل عليه لأنه يعيش في بيئة تختلف عن بيئة المدينة ،فأعطاه ما يتماشى مع بيئته مراعيا لظروفه ، وعند معاذ لما كان يرسله الى اليمن وهم أهل كتاب فهم يجمعهم مع الأديان رابط الكتاب، فهم يؤمنون بكتاب ، بخلاف عبدة الأوثان والأحجار والأصنام ، لذا كانت دوعته لأهل اليمن بخلاف دعوة غيرهم .
واليوم فلنسأل أنفسنا عما نراه اليوم من التسرع في الفتاوى دون مبالاة، والتدريس دون إجازة ، أليس من حقنا أن نقول أنه مما أدى إلى امتناع الكثير من اعتناق الإسلام واتهامه بما ليس منه التقول على الله بغير علم؟
فقهاؤنا الأجلاء - رحمهم الله- كانوا يسألون عن مسألة فكانوا يتداولونه فيما بينهم ، ليصلوا إلى الحقائق ، لأن هدفهم أن يكونوا على بينة من الأمر ، وذلك أنهم يتحملون مسؤولية عظيمة في إرشاد الناس وتوجيههم إلى الصواب.
الفتوى في مسائل الدين أمر مهم ، ولها أثر عظيم في حياة الأمة الإسلامية ، لأنها إخبار عن أحكام دين الله .
وقد أمر الله تعالى المسلم الذي يجهل شيئا من أحكام دينه أن يرجع في ذلك إلى العلماء ، قال الله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون)
والواجب على كل من المفتي والمستفتي إعطاء الفتوى حقها من العناية والرعاية ، فالمفتي يجب أن يكون عالما بما يفتي به ومدركا لحال المستفتي وواقعه، والمستفتي يجب أن يخضع لحكم الشرع بنفس راضية.
ولكن المسائل التي تم الإتفاق عليها والمسمى بالأصول لامجال للاختلاف فيها كأصول الإيمان ، وإنما الخلاف في الفروع.
والفتاوى لابد أن تصدر من جهات معتمدة - كما ذكرنا- تتحلى بالعلم والأمانة والكفاءة ، لأنه دين ، ولا تلاعب بالدِّين ، حيث الدين علاقة بين العبد وربه إلى ان تمتد العلاقة إلى عباده في حقوقهم ومعاملاتهم .
لذا كان من الواجب صدور الفتاوى من مجامع علمية فقهية، وهيئات دينية ، تضم بين أطباقها جهابذة العلماء الراسخون في العلم ، الذين يجمعون بين الرواية والدراية ، ويتبنون منهج الوسطية والإعتدال ليتصدروابهذه المهمة العظيمة.
انطلاقا من حماية ديننا الحنيف من التقول عليه بدون علم ، أنشئت المجامع الفقهية ،كمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ، أومجمع الفقه الإسلامي العالمي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة ، وغيرها من المجامع التي تولي عناية كبيرة للمسائل والقضايا الفقهية المستجدة، وكما أن للأزهر الشريف دوره العظيم في مجال الفتوى فمن الأزهر تتكون المجاس الفقهية التي تقوم بهذه المهمة العظيمة.
ولما كانت للملكة العربية السعودية مكانتها القيادية للعالم الإسلامي أسندت قيادتها الرشيدة مسؤلية الإفتاء إلى هيئة دينية إسلامية حكومية تأسست عام ١٩٧١م ، وتضم لجنة محدودة من الشخصيات الدينية في البلاد جميعهم ففقهاء مجتهدون من مدارس فقهية متعددة ، ورئيسها هو مفتي الديار السعودية ، ورئيسها الحالي هو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ- حفظه الله-.
وهذه الهيئة - ولله الحمد - لا تصدر فتوى إلا بعد تدقيق وتمحيص ، وتثبت ومراجعة ، فهم أهل الرواية والدراية ، يراعون احوال الناس وظروف معيشتهم ، وهذاهو الواجب على من يتولى الفتيا.
فالمجامع الفقهية عليها دورها في التصدي لهذه الظاهرة الغوغائية التي انتشرت في عالمنا اليوم ، من الفتاوى الإرتجالية التي لاتعتمد على جهة ، إنما تروج في الطرقات كمن يبيع متاعه في السوق.فصار ديننا مشوها ومنبوذا عند الأخرين.
واجبها تجريم الإفتاء بدون جهة معتمدة شرعية بخلقها ووسطيتها واعتداليتها.
فكم من فتاوى أباحت دماء الأبرياء وممتلكاتهم ؟ صدرت من المتطفلين على موائد العلماء ، ولم يأكلوا من موائدهم إلى أن يسند اليهم أمر التدريس والتعليم إلى الإفتاء .
وجزى الله خيرا لكبار هيئة العلماء في المملكة العربية برئاسة سماحة المفتي لما قامت واستنكرت جميع الأعمال التي يقوم بها الإرهاببون المتطرفون باستهداف أرواح الأبرياء وممتلكاتهم في العالم بدعوى أنها غنيمة، هذا من الحرام لانه التعدي بحدود الله ، وجاء الإسلام برسالته رحمة للعالمين ، الإنسانية واحترامها من مهمة بعثة الرسول ، ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )وقال أيضا سبحانه وتعالى ( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) وغير ذلك كثيرة من الأدلة التي توكد لنا ان بعثته للكون جميعا.
امن المعقول أن يكون من أرسل إلى الناس ليجمعهم على المودة والرحمة أن يكون سفاكا للدماء ؟ علينا العودة إلى سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام الذي اخرجه قومه بالهجرة في جوف الليل منطلقا إلى المدينة المنورة ، وأعاده إلى مكة بالفتح في وسط النهار ، وقال لمعانديه ( إذهبوا فأنتم الطلقاء).
الحرص على دراسة سيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يجعلك تستنير بنور رسول الله ، وتأسى به في حياته لتعلم أن الحياة المكية تختلف عن الحياة المدنية ، إذا فهمت ذلك فاترك الفتاوى لأصحابها .
بقلم الشيخ : نورالدين محمد طويل إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بدرانسي شمال باريس في فرنسا.