أكد المستشار والباحث في الشؤون الاجتماعية الأستاذ سلمان بن محمد العُمري على ضرورة معالجة آثار الطلاق أسرياً ومجتمعياً ، حيث أننا أمام تزايد مستمر في نسبة هذه الظاهرة في المجتمع ووفق إحصائيات وزارة العدلِ، تعتبرُ ظاهرة الطلاق مشكلةً اجتماعيةً تحتاجُ إلى المزيدِ من الدراساتِ العلميةِ الميدانيةِ لمحاولةِ الحدِ من تفاقمها ، وتتطلبُ ضرورةَ تظافُرِ كافةِ الجِهود الحكوميةِ والأهليةِ والخيريةِ أفراداً وجماعات للإسهامِ في معالجةِ مشكلات تزايد الطلاق في المجتمع.
وأضاف “العمري” لقد شهدَ المجتمعُ السعودي زيادةً لافتةَ في عددِ حالاتِ الطلاقِ في الفترةِ الأخيرةِ فالإحصائياتُ تكشف أن ماصدر من توثيق لحالات الطلاق في العام المنصرم (53675) صك طلاق، وهذا ما رصدتُه المحاكم، وهناك قضايا لم توثق وقضايا معلقة في حين أن الفتاوى الصادرةُ من سماحة المفتي عن طريق مكتب الطلاق خلال عام 6163بمعدل(125إلى130) قضية أسبوعية بزيادة بلغت 846 قضية عن العام السابق 1437هـ، مؤكدة أن هذه القضايا في تزايد مستمر. مع التأكيد على ماسبق من ملاحظة أن هناك المئات من حالات الطلاق تقع في المجتمع السعودي ولم تدون وتسجل في المحاكم، مما يؤكدُ أن حالاتَ الطلاقِ قد تصلُ النسبةُ فيها إلى ما يقارب 40_45% من عقودِ الزواجِ البالغةُ خلال العام (159386) عقد زواج عن طريقِ القضاءِ والمأذونين الشرعيين.
وقال المستشار في لقاءه ب(منتدى العمري الثقافي )الذي أداره راعي المنتدى أ.د.عبدالعزيز بن إبراهيم العمري :الطلاقُ ظاهرةُ اجتماعيةُ لها جذورها التاريخية وقد سادت لدى الأمم القديمة، واتخذت صوراً وأشكالاً مختلفة، وغلب عليها الظلم وعدم الانصاف والفوضى.
وعندما جاء الإسلام عدل الميزان وألغى الفوضى القائمة في كافة المجتمعات وما انحرف عن الديانات السماوية، وأكد على أهمية استقرار الأسرة كأساسٍ لاستقرارِ المجتمع وحَفِظَ للرجلِ وللمرأةِ حقوقهما على حدٍء سواء ورد للمرأة اعتبارها وكرامتها وما سلب منها، ووقف إلى جانب المرأة باهتمام كبير، ورافضاً الموقف غير الإنساني للجاهلين تجاه ولادة الأنثى والقيام بوأدها وتأديبها. قال تعالى: “وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم”. سورة النحل الآية 158، ويقول جل من قائل: “وإذا المؤودة سُئلت بأي ذنب قتلت”. سورة التكوير الآية 8 ،9.
وتابع سلمان العمري :لقد شَرع اللهُ النكاحَ لإقامةِ الحياةِ الزوجيةِ المستقرِة المبنيِةِ على المحبةِ والمودةِ بين الزوجين وإعفافِ كُلٍ منهما صاحبه، وتحقيق النسلِ وقضاءِ الوطرِ.
وأضاف ، وحرص الدينُ الإسلامي على وحدةِ الأسرةِ وعدم تفككها، فشرع حلولاً عملية يستهدي بها كل من الزوج والزوجة في حالة ظهور الخلاف أو الشقاق بينهما، بل لقد أعطى الزوجين حلولاً تدريجية تبدأ من الوعظ لكل منهما للآخر، وأن يهجره وأن يؤدبه (وهذا ما يفعله الزوج في حالة الخلاف حرصاُ على بقاء العشرة الزوجية وحفظ كيان الأسرة سليماً)، أما الدرجة الثانية إذا اشتد الخلاف بينهما فيختار كل منهما حكماً لحل المشكلات الناشئة بينهما ممن يرتضونه من أهل الزوجين.
واستطرد قائلا، وإذا اختلت هذه المصالحُ وفسدت النوايا بسببِ سوءِ خُلقِ أحدٍ من الزوجين أو تنافرتَ الطباعُ أو ساءتَ العُشرة بينهما أو نحوها من الأسبابِ التي تؤدي إلى الشقاقِ المستمرِ الذي تصعبُ معهُ العشرةُ الزوجية، فإذا وصل الأمر إلى هذه الحال، فقد شرع الله – عزوجل – الطلاق رحمةً بالزوجين وجعله فرجاً.
ويعتبر الطلاقُ أبغض الحلال إلى الله – سبحانه وتعالى – والإسلام يحذر منه ويكشف خطورته، ومساوئه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق” سنن أبي داود. وقد شرعه المولى في ظروف معينة لا يجوز تجاوزها وتعديها، لما في ذلك من خطر جسيم على بنيان الأسر وحياة أفرادها وخصوصاً الأبناء ودون أن ننسى الزوج والزوجة بطبيعة الحال.
وقال “العمري”، لقد شهد المجتمع السعودي والمجتمعات الخليجية كغيرها من المجتمعات تغيرات واسعة في العقود الأخيرة أثرت في بنيتهما الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بعد تسارع معدلات التغير الاجتماعي نتيجة عدة عوامل كانتشار وسائل الاتصالات والمواصلات الحديثة، وتكوين المجتمعات الحضرية.
والتحول إلى حياة المدن، والتعليم والعمل في أدوار مهنية جديدة، وانفتاح المجتمع على ثقافات أخرى.
وهذه التغيراتُ أدتَ إلى تغيراتٍ مهمةٍ في بناءِ الأسرةِ ووظائفها بل أن النسقَ الأسريَ كان من أكثر أنساق البناء الاجتماعي تأثراَ بهذهِ التغيراتِ التي تجلت بصورةِ زيادةٍ عاليةٍ في معدلاتِ الطلاقِ بالمجتمع، ولعل أصدق ما يُقال عن وسائل الاتصال أنها قربت البعيد وبعدت القريب، وتسببت في جفوة بين الأم وأبنائها، والزوج وزوجته، والأب وأسرته، ناهيك عن المشاكلِ الأخرى من القيلِ والقالِ التي ربما كانت سبباً في الهجر والخصومة.
وأمام التزايد المستمر في نسبة هذه الظاهرة في المجتمع ووفق إحصائيات وزارة العدلِ – تعتبرُ ظاهرة الطلاق مشكلةً اجتماعيةً تحتاجُ إلى المزيدِ من الدراساتِ العلميةِ الميدانيةِ لمحاولةِ الحدِ من تزايُدهِا، وتتطلبُ ضرورةَ تظافُرِ كافةِ الجِهود الحكوميةِ والأهليةِ والخيريةِ أفراداً وجماعات للإسهامِ في معالجةِ مشكلات تزايد الطلاق في المجتمع.
واستعرض العمري احصاءات الطلاق، وقال، لقد شهدَ المجتمعُ السعودي زيادةً لافتةَ في عددِ حالاتِ الطلاقِ في الفترةِ الأخيرةِ فالإحصائياتُ تكشف أن ماصدر من توثيق لحالات الطلاق في العام المنصرم (53675) صك طلاق، وهذا ما رصدتُه المحاكم، وهناك قضايا لم توثق وقضايا معلقة في حين أن الفتاوى الصادرةُ من سماحة المفتي عن طريق مكتب الطلاق خلال عام 6163بمعدل(125إلى130) قضية أسبوعية بزيادة بلغت 846 قضية عن العام السابق 1437هـ، مؤكدة أن هذه القضايا في تزايد مستمر. مع التأكيد على ماسبق من ملاحظة أن هناك المئات من حالات الطلاق تقع في المجتمع السعودي ولم تدون وتسجل في المحاكم، مما يؤكدُ أن حالاتَ الطلاقِ قد تصلُ النسبةُ فيها إلى ما يقارب 45% من عقودِ الزواجِ البالغةُ خلال العام (159386) عقد زواج عن طريقِ القضاءِ والمأذونين الشرعيين.
فالغالب أن حالات الزواج توثق أما الطلاق قد لا يوثق في أغلب الأحيان في سجلات المحاكم وخاصة في بعض المناطق.
واضاف، إن اهتمامي في الشأن الاجتماعي والوطني دفعني للكتابة عن قضية الطلاق والعناية بدراستها وهو اهتمامٌ لم يكن وليد اللحظة فبفضل من الله سبحانه وتعالى قمت بدراسة بعنوان: “ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي” .. دراسة تشخيصية..، قبل عدة سنوات خرجت بنتائج وتوصيات مهمة، واتبعتها بدراسة بحثية بعنوان: “قبل إعلان حالة النكد”، وهو استمرار لبعض توصيات دراسة ظاهرة الطلاق الذي أكدت فيها على ضرورة وجود دورات تثقيفية للمقبلين والمقبلات على الزواج، وتم تفعيل هذا المقترح – ولله الحمد – من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قبل عدة سنوات وبالذات عن طريق بعض الجمعيات الخيرية بل أن مجلس الوزراء الموقر خصص دعماً سنوياً لتنفيذ هذه الدورات.
لقد تنوعت العواملُ في تفسيرِ الظاهرةِ، لاسيما في معترك حياةٍ متخمةٍ بالتغيراتِ الجديدةِ المتسارعة، فالبعض ينحو باللائمةِ على هشاشة الارتباطِ الذي يجمع شمله من خلال الأهل أو وسطاءالزواج ليفترق في أول محكٍ حقيقيٍ، وهناك من أرجعها (العوامل) إلى افتقارِ معظمِ الزيجاتِ إلى أرضيةٍ صلبةٍ للتفاهمِ بين الزوجين.
وهناك من الباحثين من كشفوا في دراساتهم عن أسباب أخرى كثيرةٍ للطلاقِ أبرزُها: تدخلُ الأهلِ، وفرض الزوج والزوجة من قبل الأهل عدمُ التحرَي فترة الخطوبةِ، الإكراهُ على الزواج، حجزُ المرأة للزواج من الأقارب اللصيقين كأولاد العمِ أو أولاد الخالِ، والذي يتم عادةً منذ الصغر، وجود أولاد للزوج أو الزوجة من زواج سابق، عدم رغبة الزوجةِ في العيشِ مع أهلِ الزوجِ، إصرارُ الزوجةِ على إكمال تعليمها أو الاستمرارُ في الوظيفةِ، عدم إعداد الأبناءِ للزواجِ وتحملِ مسؤولياته، وهناك أيضاً الأسباب الأخلاقية ومنها: سوء العشرةِ من أحدِ الزوجين، وعدم القيام بالواجباتِ الشرعية والحقوق الزوجية من أحد الزوجين، وعدم العدلِ بين الزوجات، الغضبُ، ارتكاب المعاصي والآثام والخيانةُ الزوجيةَ، شربُ المسكراتِ وإدمانُ المخدراتِ، بُخل الزِوج، الشذوذُ الجِنسي عند الرجلِ.
ومما يتعلق بالأسباب المادية هناك: ضعفُ إمكانياتِ الزوجِ الماديةِ، الخلافاتُ على أمورٍ ماديةٍ، المغالاةُ في المهورِ.
ثم هناك العديد من الأسبابِ النفسيةِ والصحيةِ والاجتماعيةِ والأسبابِ الثقافيةِ والإعلامية.
وتناول الآثار الناتجة عن الطلاق:
لقد أكد ديننا الحنيف على أن الزواج مودة ورحمة وسكن واطمئنان ليس بين الزوجين فحسب بل على أسرتهما، ومن يحيطون بهما ومن ثم أولادهما ومع ذلك فقد أباح الطلاق عندما يتعذر العيش بين الزوجين وتفشل كل المحاولات للإصلاح، إلا أن للطلاق آثاراً سلبية كثيرة. وآثار الطلاقِ المباشرة لا ترتبط بالمرأةِ المطلقة فحسب وإنما تمتدُ تلك الآثارُ لتشمل كلاً من الأولادِ والزوجِ والمجتمع، وهكذا يكون تأثيرُ الطلاقِ سلبياً على مؤسسةِ الأسرةِ وترابطها والأسرة هي النواة في المجتمع.
وفيما يلي أبرز سلبيات الطلاق:
1- آثار الطلاق على الزوجة:
غالباً مايكون تأثير الطلاق على نفسية الزوجة أشدُ منه على نفسيةِ الزوج، ولعل أشدّ ما تعانيه المرأةُ هو قسوةُ نظرةِ المجتمعِ إليها، فتبقى أسيرة القيودِ الاجتماعية تعاني الأمرين، ومن المشكلات الأخرى التي قد تلحقها كمطلقة فِقدانُها الموردَ الاقتصادي الذي كان يوفره لها الزوجُ وبذلك يضيقُ مجال مصروفها، ويتردى مستوى معيشتها فتشكل عبئاً ثقيلاً على عائلتها وخاصةً إذا كانت عائلتها تعاني من ظروفٍ اقتصاديةٍ سيئةٍ مما يجعلُها تلجأ لطلبِ المعونةِ من مراكز الإعانةِ الاجتماعية والهيئاتِ الخيرية وهذا في حد ذاته يزيدُ من عذابِها النفسي فتصابُ بروح اليأسِ والاكتئابِ… وتصبحُ عرضةً للانحرافاتِ السلوكية وتعاطي المخدرِات والبغاءِ أو محاولة الانتحارِ. ومن جهةٍ أخرى فإن المرأة المطلقة وخصوصاً في المجتمع العربي تتعرض إلى نوعٍ من التمييزِ والقسوةِ عند مقارنتها مع نظيرها الرجلِ المطلقِ. فالمجتمعُ العربيُّ عموماً ومجتمعُ الخليِج بوجه خاصِ ينظر للمرأة المطلقة نظرة غير مستحبةٍ بحيث تتضاءلُ فرصها في الزواج ثانية.
وهذه الوصمة والنظرة السلبية وعلى الرغمِ مما تخلفه من انزعاجٍٍ في حق للمرأة المطلقة فإنها في الوقتِ ذاته تعملُ على فرضِ ضغوطٍ على المرأة المتزوجة كي تتحلى بالصبر مع شريكها تجنباً لحدوث الطلاق.
ومن جهة أخرى فإن الزوجة (وكذلك الزوج) تواجه مشكلات كثيرة تترتب على الطلاقِ فتصابَ بالإحباطِ وخيبةِ الأملِ وهبوطٍ في عواملِ التوافقِ والصحةِ النفسيةِ، وقد ينتج عن ذلك الإصابةُ بأحدِ الأمراضِ النفسية كالقلقِ المرضي، أو الاكتئاب، أو الهستيريا، أو الوساوس، أو المخاوف المرضية.
وقد ينتجُ عن ذلك عدم القدرةِ على تكوين أسرةٍ مرة أُخرى فتنعزلُ الزوجةُ عن الحياةِ الاجتماعيةِ في نهضة المجتمع ورعاية صغاره بصورةٍ إيجابيةٍ بناءةً.
2- آثار الطلاق على الزوج:
يعاني الرجلُ كذلك من تجربةِ الطلاقِ معاناةً سلوكيةً تنعكسُ سلباً على حياتهِ وأدائه لمختلف نشاطاته فتضعف إنتاجيتهُ بسبب التشتتُ الذي يُصيبه. كما يضعفُ وضعه الاقتصاديَ فيعجزُ بذلك عن الالتزامِ بدفع ديونهِ بما في ذلك الديونَ المترتبةِ على مهر الزواج الفاشل بدفع نفقات الزوجة والأولاد، وبذلك يتولدُ لدى الرجل فكرةً سيئةً عن الحياة الزوجية قد تؤثرُ في حياتهِ المستقبليةِ بكاملها وبخاصةٍ إن فكر في الزواجِ مرةً أخرى، حيث يبقى فشلهُ الأول مصدر خوفٍ وقلقٍ قد لا ينتهي أبداً. وينطبق على الزوجِ المطلقِ أيضاً ما ينطبقُ على الزوجةِ المطلقةِ من حيث الأمراضِ النفسيةِ كالقلقِ المرضيِ، أو الاكتئابِ، أو الهيستيِريا، أو الوساوسِ، أو المخاوفِ المرضيةِ.
3- آثار الطلاق على الأبناء: يعتبرُ الأبناءُ أكثرَ الفئات تضرراً من عمليةِ الطلاقِ، فقد يجدُ الزوجُ ضالتهُ في زوجةٍ جديدةٍ، وكذلك الزوجةُ أما الأطفالُ فعلى العكس، وفيما يلي أهم آثار الطلاق على الأبناء:
أ- الطلاقُ يؤدي إلى التمزق العاطفي للأبناء بسبب الحيرة في الانحياز لأي طرفٍ، الأبَ أم الأمَِ فضلاً عن فقدهم الشعور بالأمن نتيجةً للاضطرابِ والتمزقِ الذي حل بالأسرةِ.
ب- الأطفالُ بعد الطلاقِ قد يستخدمون أحياناً كوسيلة للانتقام والإيذاءِ المتبادل بين الزوجين، فالأمُ تحرمُ الأب من رؤية أولاده، والأبُ يحاولُ أن يضُم الأولادَ إلى حضانتهِ، ويعيشُ الأبناءُ تجربةً نفسيةً قاسيةً تتركُ في وجدانهم انطباعاً سيئاً عن الجوِ الأسُري والعلاقاتِ الزوجيةِ وتدفعُ المرأةَ المطلقةَ ثمناً غالياً لطلاقها.
ج- لا يقتصر ُأثرُ التفكك الأسري على الأبناءِ على تخلفهم الدراسي وحسبَ، فالأبناءُ الذين ينشؤون في أسرة مفككةٍ لايعرفُ بين أفرادها غير النفورِ والكراهيةِ لاتكون نشأتهمُ طبيعيةً وتترسبُ في أعماقهمِ مشاعرُ الكراهيةِ نحو الحياةِ والأحياءِ، ويتمثلُ ذلك في الانحرافِ والتمردِ على القيمِ والنظمِ والقوانينِ وإدمان الموبقاتِ والمخدراتِ فضلاً عن العزوفِ مستقبلاً عن الحياةِ الزوجية.
د- إن الأبناء في ظل الطلاقِ وتفككِ الأسرةِ قد تمتدُ إليهم أيدي المجرمين الذين يتخذون منهم وسيلةً لنشرِ السمومِ أو سرقة الآخرين وتصبحُ الطفولةُ البريئةُ بدءاً للانحرافِ، وتشهدُ دور الأحداثِ صوراً من الجرائمِ التي يرتكبُها الأطفالُ الذين لم يعيشوا في أسرةٍ سليمةٍ، كما أن هؤلاء الأطفالِ الذين فقدوا حياة الأسرةِ الآمنةِ المطمئنةِ تستهويهمُ غالباً حياةُ التمردِ والإدمانِ ويتحولُ هؤلاءِ في المستقبلِ إلى طاقةٍ معطلة أو مدمرة، وينعكس هذا على المجتمع بخسارةٍ فادحةٍ تعوقُ نموه.
هـ -تتمثلُ خطورةُ الطلاقِ وأثرهُ على الأبناءِ فيما يسمى بصرِاع الأجيالِ التي ساعد على تفاقمهِ – بالإضافةِ إلى التفككِ الأسريِ – اتساعُ الهوةِ بين الآباءِ والأبناءِ في ظلِ التطورِ الحضاريِ المادي المذهلِ.
كما أن لوسائل الاتصالِ المعاصرةِ دورها في هذهِ المشكلة، وكذلك القنواتُ الفضائيةُ ووسائلِ التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها، لما تقدمه من انفتاح كبير على عالم الغرب بسيئاته وحسناته.
و- من أهم المشكلات التي تواجه الأبناء خصوصاً إن كانوا صغار السن فقدان المأوى الذي كان يجمعُ شملَ الأٍسرةِ، وهنا سوف يحدثُ التشتتُ حيث يعيش الأولادُ أو بعضهمُ مع أحد الوالدين، والبعض الآخر مع الوالد الآخر، وغالباً ما يتزوج الأب بزوجة أخرى والأم بزوج آخر، والنتيجة في الغالب مشكلات مع زوجة الأب وأولادها وزوج الأم وأولاده، مما قد يدفع أولاد الأسرة المفككة إلى هجر ذلك المنزل إلى أماكن أخرى قد لاتكون مناسبةً للعيش في حياةٍ مستقرةٍ كما يحدث في مساكن العُزاب من الشباب… وإذا كانت بنتاً فإنه ليس لها مجالاً لمغادرة المنزل فقد يقعُ عليها حيفٌ في المعاملةِ ولاتستطيعُ رفعهُ، فتصاب ببعضِ الأمراض النفسية نتيجة لسوء المعاملة التي تتعرض لها في حياتها اليومية، وفي بعض الحالات تكونَ مثل هذه الفتاة عرضة للانحرافِ في مسالكِ السوءِ بحثاً عن الخروجِ من المشكلةِ التي تعيشُهاَ.
ز-بالإضافة إلى حرمانِ أبناء المطلقين من العطف الأبوي والآثار النفسية المترتبة على الطلاق كحالة الانطواء، كذلك يفتقر الأطفال للرعاية الصحية ويتعرضون إلى الحوادثِ المروريةِ وما شابه ذلك، وإذا أصيبوا فقد يصبحون عاجزين صحياً، وقد يصابون بصدماتٍ نفسيةٍ قاسيةٍ وبالتالي تنشأ عندهُم نزعةً تدميرية ضد المحيطِ الاجتماعيِ الذي ينتمون إليه.
ح-الفراغ العاطفي المفقود من الأم أو الأب أو كليهما عقب الطلاق قد يجعل الابن والابنة يبحثون عن العاطفة المزيفة لدى الآخرين، وخاصة أهل السوء ثم يقعون في علاقات محرمة أو يستغلونها في أعمالٍ مشبوهة.
ط-غياب القدوة .. ذلك أن أبناء المطلقين يفتقدون للقدوة نتيجة التشتت وعدم استقرارهم فلا ينعمون بقدوة سوية من أم أو أب، ولذلك فلربما كان قدوتهم آراذل الناس نتيجة لفقدهم الثقة بوالديهم.
4- آثار الطلاق على المجتمع:
أبرز هذه الآثار تقع على الأسرة وقيم المجتمع وثقافته ثم تنمية المجتمع:
أ-الآثار على الأسرة:
إذا كان للطلاق آثارهُ على الزوجين والأبناء فإن آثارهُ على المجتمع أكثر خطراً، فالأسرةُ قاعدةُ الحياةِ البشرية وقوامُ المجتمعِ فإذا تعرضت للاضطرابِ والتصدعِ والصراعِ، ولم تقم برسالتها في التربيةِ والتوجيه، فإنها بدلاً من أن تكون لها عطاءً نافعاً فيخسر المجتمع بذلك خسارةً فادحةً، خسارة أجيال تدمر ولا تعمر أجيال تعوق مسيرة التنمية والنهضة.
ب-آثار الطلاق على قيم المجتمع وثقافته: يسبب الطلاقُ والتفككُ الأسريُ اختلالاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات أفراده، مثل الترابط والتراحمِ والتعاون والتسامح ومساعدة المحتاج والوقوف معه في حالات الشدة وغيرها من القيم الإيجابية المهمة في تماسك المجتمع واستمراره، ويولد التفككُ إحباطاً نفسياً قوي التأثير في كل فرد من أفراد الأسرة المفككة، وقد يجعل بعضهم يوجه اللوم إلى المجتمع الذي لم يساعد على تهيئةِ الظروفِ التي تقي من التفكك الأسري فيحول اللوم لتلك القيم التي يدافع عنها المجتمع ويسعى الفرد للخروج عليها وعدم الالتزام بها كفرع من السلوك المعبر عن عدم الرضا غير المعلن…
ج- يُجمع المهتمون بأمورِ التنميةِ الاجتماعيةِ على أن للتفككِ الأسريِ أثرٌ معيقٌ في سبيل تحقيق أهداف التنمية؛ لأن التنمية تعتمدُ على وجود أسرةٍ قائمةٍ بوظائفها بشكلٍ سليمٍ تحققُ الغرضَ من وجودها وتنتج أفراداً إيجابيين قادرين على تحمل المسؤولية الملقاةِ عليهم بالمساهمة في رقي المجتمع وتطوره في كافة المجالات، ولكن إذا حدث تفكك الأسرة تشتت أفرادها وانشغل كل منهم بمشكلاته الشخصية عن مسؤولياته الاجتماعية، وبدلاً من أن يكون رافداً منتجاً في المجتمع يصبح فرداً محبطاً يحتاج إلى جهود تبذل لمساعدته لتجاوز تلك المشكلات التي تواجهه… وقد ذكر أحد الباحثين في موضوع التنمية: “تظل إنتاجية المجتمع المحور الأول والمحصلة النهائية لما يعايشه المجتمع ويعيش فيه من مظاهر وسمات وما يربط أفراده من روابط وصلات)). من الآثار الأخرى على المجتمع أن بعض حالات الطلاق إن لم يكن كثير منها تتطلب رافداً ودعماً مالياً للمرأة المطلقة وأولادها، وهذا يكلف المؤسسات الاجتماعية الرسمية والخيرية في تبني هذه الحالات ودعمها من الضمان الاجتماعي أو صناديق البر، وكذلك على المحيطين بالأسرة المطلقة من ذوي القرابة.