بعيداً عن الإسهاب في طبيعة العلاقات بين العرب والمسلمين والفرس عبر التاريخ؛ يمكننا القول باطمئنان، إن إيران كانت في عهد الشاه رضا بهلوي، وعهد ابنه محمد رضا بهلوي، دولة مسؤولة مستقرة؛ لا تشكل خطراً على المنطقة أو العالم، كما هو حالها اليوم، بصرف ال ن ظر عن وضعها الداخلي، وعلاقة السلطة بالشعب. بل على العكس تماماً، كانت دولة فاعلة في السياسة العالمية، لها دور مؤثر وحضور لا تخطئه عين، حتى مع الدول العظمى؛ وكان الكل يحترمها في إطار العلاقات الدبلوماسية المتبادلة ضمن المنظومة الدولية. فضلاً عن إنها كانت تمتلك أقوى جيش في المنطقة، و أحد أقوى الجيوش في العالم، إلا إنه كان مع ذلك جيشاً نظاماً منضبطاً، لم يكن ميليشيات، ولم تكن مدافعه موجهة لزعزعة دول المنطقة وتفتيتها والتحرش بها، أو تهديد استقرار العالم وأمنه، بقدر ما كان معنياً بالمهمة المهنية الأساسية المتعارف عليها دولياً لكل جيوش العالم، من حماية لاستقلال البلاد، وعدم التدخل حتى في سياسة الدولة المعنية، ناهيك عن التدخل في شؤون الدول الأخرى.
لكن للأسف الشديد، ما إن أطل علينا شبح الثورة الإسلامية المزعومة بقيادة الخميني وأتباعه، الذي ن صب نفسه وصياً على الخلق وعلى مقدسات المسلمين، حتى تحولت إيران من تلك الدولة المسؤولة المستقرة المشغولة بوضعها الداخلي، إلى دولة مشاغبة؛ أنفقت كل ثروة البلاد على تصدير ثورتها المزعومة وفكرها المنحرف.
فزعزعت خلاياها في العراق، سوريا، لبنان واليمن أمن الشعوب، ودقت إسفين الفتنة الطائفية المذهبية بينهم، فلم يعد القاتل يعرف لماذا قَتَلَ، ولا المقتو ل يعرف لماذا قُتِلَ. بل امتد شغبها إلى وسط أفريقيا وشماليها، وبلغ أمريكا اللاتينية، تبدِ د خيرات البلاد الوفيرة على نشر الفكر المتطرف والإرهاب الذي كان وبالاً على أتباعها، قبل أن يكون شراً مستطيراً على المناوئين حيثما حل.
ولم تنتبه السلطة الخمينية في إيران إلى ما ارتكبته من خطأ فادح في حق شعبها قبل الآخرين، إذ أصبح ملايين من أبنائها يعيشون في فقر مدقع، وانتشرت فيها ظواهر لم تكن مألوفة في عهد السلطة الشاهانية، من تسرب دراسي للأطفال، وبالتالي زيادة عدد أطفال الشوارع، إلى أرامل غيبت أولياءهن مقصلة النظام وسجونه، فلم يجدن بُداً من التنقيب في أرتال النفيايات عن كسرة خبز لإسكات جوع صغارهن اليتامى، الذين يتضورون ليل نهار من الجوع، إلى تناقص شديد في قدرة المواطن الشرائية في كل شيء، بسبب استشراء الفساد وتبديد المال العام على دعم التطرف والإرهاب في المنطقة.
فكان لا بد لليل أن ينجلي وللصبح أن يُسفِر، فانتفض الشعب بعد أن ضاق ذرعاً باحتكار ولاية الفقيه للسلطة والثروة، وهدرها في زعزعة أمن دول المنطقة، وترسيخها للطائفية المذهبية، ودعمها للتطرف والإرهاب والدمار والخراب، ونشر العنصرية البغيضة التي صنفت الشعب إلى مواطن درجة أولى وآخر درجة ثالثة، وإهمالها لتنمية مقدرات البلاد من ثروة نفطية هائلة، ومياه عذبة وأراضٍ خصبة، خاصة في إقليم الأحواز؛ ومناكفتها للعالم كله الذي فرض عليها عقوبات قاسية ،أفضت إلى هذا المشهد الملتهب الذي تج دد هذه الأيام، مذ كِراً السلطة الخمينية بما حدث عام 2009 م؛ وإن كان هذه المرة أكثر جرأة، وصلت إلى حد المناداة برحيل الولي الفقيه نفسه ونظامه المتسلط، كما ظهر عبر شاشات العالم لأول مرة يحرق فيها الشعب الإيراني الثائر صور الولي الفقيه ويمزقها ويرميها بالحجارة والأحذية ويدوسها بالأقدام، فضلاً عن حرق مقراته وتمزيق شعاراته.
وصحيح أن الشعب الإيراني صبر كثيراً على ظلم سلطة الولي الفقيه، غير أنه ينبغي عليه هذه المرة أن ينظِم نفسه بشكل مهني، ويتصل بالعالم. وبالمقابل، على دول العالم ألا تكتفي بالتنديد بالنظام الإيراني الظالم، وقمعه للشعب الثائر، منادياً بحقوقه المشروعة، كما اعترف حسن روحاني نفسه رئيس الدولة، أو قل إنه من المفترض أن يكون رئيس الدولة التي صادرها منه الولي الفقيه )خامنئي(، إذ لا بد من مدِ يد العون بشكل حقيقي، بعدما شاهد العالم من سقوط عشرات القتلى، ومئات الجرحى، و زج الآلاف من أبناء إيران المظلومين المضطهدين في غياهب سجون النظام، ويا لها من غياهب!
أجل، على العالم اغتنام هذه الفرصة الذهبية، للتنسيق مع المعارضة في الداخل، وتزويدها بكل ما يحقق تطلعاتها المشروعة في التخلص من هذه الطغمة المتسلطة الفاشية، التي أشعلت المنطقة، وشغلت العالم بتصديرها لفكرها المنحرف ،وتمويلها للحركات الطائفية العنصرية البغيضة، وتشجيعها للإرهابيين. وأحسب أنني لست في حاجة للتأكيد على هذا أكثر من الإشارة لمهمة )فيلق القدس( وقائده قاسم سليماني الذي أحرق المتظاهرون صوره، جنباً إلى جنب مع صور الولي الفقيه، وما تسبب فيه من إغراق لدول المنطقة بالسلاح والدمار والخراب والدماء. ولهذا ليس غريباً أن تستدعي السلطة الإيرانية اليوم سليماني هذا على عجل، لمؤازرة على شامخاني في قمع الداخل الملتهب الذي يطالب بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية، في دولة تحولت إلى خراب، بعد أن كانت تزاحم دول العالمالأول في كل شيء أيام السلطة الشاهانية.
أجل، آن اليوم لسلطة الولي الفقيه أن تدرك جيداً إنها كما تَدِ ينُ تُدَ انُ، وإن مساعيها الخبيثة لنشر الفكر المتطرف وثورتها المزعومة، فاشلة لا محالة، مهما فعلت. فقد فشلت أوروبا بقضها وقضيضها وخبث دهائها من قبل في نشر المسيحية في المنطقة، مع كل جهود إرسالياتها التي انتشرت بيننا كالسرطان.
نعم، آن لسلطة الولي الفقيه اليوم النزول من برجها العالي، والاستماع لأصوات الجوعى المقهورين المضطهدين المعذبين من شعبها، والالتفات لمشاكلهم الحقيقة، والاشتغال بخدمتهم التي هي جوهر كل سلطة مسؤولة في كل بلد حر في العالم.
أقول، على النظام في إيران التفكير ألف مرة، لمعرفة السبب الذي دفع شعبها للهتاف باسم الشاه، على ما كان يصفه به البعض من استبداد، ويتحسر على أيامه؛ مثلما فعل هذا النظام اليوم بشعب العراق الذي جعله يذرف الدمع الثخين على عهد صدام حسين، وبشعب اليمن الذي أصبح ينتحب على أيام على صالح، مع ما كانا يمارسانه من حيف بشعبيهما بسبب تدخله السافر في شؤون دول المنطقة.
وقطعاً، لا يفوتني هنا أن أحذِ ر الإخوة في لبنان من المصير نفسه، لا قدر الله، إن هم فشلوا في وضع حد لذراع إيران في لبنان. كما على سلطة الولي الفقيه في إيران أن تدرك جيداً أيضاً لماذا لم تجد نصيراً في العالم كله يدين ثورة شعبها عليها غير )دولة( قطر، بل عليها أن تخجل لأنها اضطرت اليوم لطلب العون من )دولة( مثل قطر، مع إنها كانت في أيام الشاه دولة كبيرة رائدة، تُعين و لاتُعان. وعليها أن تدرك أيضاً أن الملوك يصبرون، لكنهم إذا ضربوا يوجعون ويقطعون.
لكن بالمقابل، على العالم كله، لاسيما الغرب الذي يداهن إيران ويهادنها من أجل مصالحه الشخصية، إدراك أن النظام الإيراني هو جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وأن توقيع إيران على اتفاقية ملفها النووي، ما هي إلا استراحة محارب، بسبب ما تعانيه من ضائقة اقتصادية، قدم لها الغرب بموجبها حتى اليوم نحو ملياري دولار، من دون أن يحصل العالم على أي شيء منها. وعلينا نحن العرب والمسلمين أن ندرك أن إيران هي السبب الأساسي الذي عقد حل قضية فلسطين، لأنها شغلتنا بأنفسنا عنها.
وعليه، على الجميع استغلال هذه اللحظة الاستثنائية، ودعم ثورة الشعب في إيران، لنتخلص جميعاً من هذا الكابوس الذي جثم على صدر العالم لنحو أربعة عقود عجاف، ففي صفوف الإيرانيين رجال شجعان، ينشدون الحياة في أمن وسلام لهم وللعالم كله.. فلنمد يدنا لأولئك المنشقين من ضباط الجيش والشرطة وحرس الحدود ورجال الأعمال في إيران، وندعم جهودهم؛ لأن المسؤولية مشتركة، والمصلحة كذلك.. وإنني على يقين تام أن لعنة دماء الأبرياء التي أهدرتها سلطة الولي الفقيه في بلداننا، ستظل تطارد الولي الفقيه وتهز عرشه من تحته حتى تسقطه إلى الأبد.
وأخيراً: أقول لسلطة الولي الفقيه، عليها أن تتأمل ملياً إجابة الأمير رضا محمد رضا بهلوي، نجل الشاه الذي أطاحت به الثورة الخمينية عام 1979م، عندما سألته مضيفته في برنامج )عن قرب( على قناة الـ) BBC( العربية، مساء الاثنين 14/4/1439هـ، الموافق غرة يناير 2018 م، عن سبب سقوط حكم والده؛ فقال ،بمرارة شديدة: )بصراحة.. لم يكن والدي يستمع لصوت الشعب(. كما على السلطة في إيران أن تتأمل جيداً أيضاً السبب الذي دفع الشعب لكي يبدأ انتفاضته المباركة هذه من مشهد نفسها، ثم تمتد بسرعة إلى قم، فطهران العاصمة، لتشمل نحو مائةمدينة في البلاد.
وعلى كل حال، كل آتٍ قريب، وليس الصبح ببعيد. فالتحية لكل الشرفاء والأحرار والغلابة من أبناء الشعب الإيراني بكل فئاته، الذين انتفضوا لاستعادة كرامتهم ودولتهم المخطوفة من براثن الولي الفقيه.. وليبشروا بالخير.
- بدعمٍ من مؤسسة الراجحي الخيرية إجراء ٢٠ حالة قسطرة خلال شهرين
- الرياض تحتضن منتدى حوكمة الإنترنت 2024 بمشاركة عالمية لتعزيز التعاون الرقمي منتصف ديسمبر المقبل
- إعادة انتخاب المملكة لعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
- “الدفاع المدني” يوضح أهمية اتباع إرشادات السلامة أثناء القيام بالرحلات البرية
- تنفيذ حكم القتل قصاصًا بيمني قتل مواطنا طعنا بأداة حادة في عسير
- «منصة مطلوب» تسهل وتنظم مشاركة الأفراد والشركات في الفعاليات
- على 4 ملايين م2.. “البيئة” توقع اتفاقية لإنشاء مشروع للحوم الدواجن بالجوف
- الشؤون الإسلامية يُحوكم أعمال المساجد لتقديم أفضل الخدمات
- “الحج” تدعو المعتمر إلى توثيق التعاملات المالية عبر المنافذ المعتمدة
- مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 11641.31 نقطة
- 24 ساعة طيلة الأسبوع.. التأمينات الاجتماعية تقدّم خدماتها عبر “الزيارة الافتراضية”
- “هيئة الطرق” توصي بالتقيد بتعليمات السلامة أثناء القيادة في الأمطار
- اليوم.. انطلاق الجولة الـ12 من دوري روشن بثلاث مواجهات مثيرة
- العارضة.. حرس الحدود يحبط تهريب 120 كجم قات
- وصول الطائرة الإغاثية السعودية الـ25 إلى لبنان
اخبار متنوعه > آن أن تفهم إيران.. إنها كما تُدِيْنُ تُدَان
03/01/2018 1:06 م
آن أن تفهم إيران.. إنها كما تُدِيْنُ تُدَان
اللواء الركن م. الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود
اللواء الركن م. الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/3168726/