من مقامات الهمذاني المتوفى سنة 398هـ:
يقول بديع الزمان الهمذاني في ((المقامة الدينارية)) أن ابن هشام كان راغباً في التصدق بدينار، فما كان منه إلا أن انطلق إلى حشد من الشحاذين المتسولين عارضاً ديناره على أبرعهم في الشتم، فتناظر اثنان منهم في ذلك، فقال أحدهما للآخر:
يا برد العجوز، يا كربة تموز، يا وسخ الكوز، يا درهماً لا يجوز.. يا دودة الكنيف، يا فروة في المصيف، يا تنحنح المضيف إذا كسر الرغيف، يا جشاء المخمور، يا نكهة الصقور.
وقال الآخر:
يا قراد القرود، يا لبود اليهود، يا نكهة الأسود، يا عدماً في وجود، يا كلباً في الهراش، يا قرداً في الفراش، يا قرعية بماش، يا أقل من لاش، يا دخان النفط، يا صنان الإبط، يا زوال الملك، يا هلال الهلك.
وكما افتتن أبو الفضل الهمذاني بفضح أساليب الكدية والتسول وضروب مكر المكدين والشحاذين، خص اللصوص والنشالين عامة والطرارين وعملهم ببيان جعل ((المقامة الرصافية)) مثلاً، مصدراً دسماً للصوص والنشالين ولمن يريد أن يعرف شرهم ويدفع عنه أذاهم، كما جعلها من ناحية ثانية من صور الأخلاق الفاسدة والبؤس المنتشر.
يقول البديع:
حدثنا عيسى بن هشام قال: ملت إلى مسجد فيه قوم يتأملون، وأداهم عجز الحديث إلى ذكر اللصوص وحيلهم والطرارين وعملهم فذكروا أصحاب الفصوص من اللصوص، وأهل الكف والقف، ومن يعمل باللطف ومن يحتال بالصف, ومن يخنق بالدف ومن يكمن في الرف، إلى أن يمكن اللف، ومن يبذل بالمسح، ومن يأخذ بالمزح، ومن يسرق بالنصح ومن يدعو إلى الصلح ومن قمش بالصرف ومن أنعس بالطرف ومن باهت بالنرد ومن غالط بالقرد ومن كابر في الريط مع الإبرة والخيط، ومن جاءك بالقفل وشق الأرض من سفل ومن نوم بالبنج أو احتال بنيرنج، ومن بدل نعليه ومن شد بحبليه، ومن كابر بالسيف ومن يصعد في البير ومن سار مع العير، وأصحاب العلامات ومن يأتي المقامات ومن فر من الطوف ومن لاذ من الخوف ومن طر بالطر ومن لاعب بالسير وقال اجلس ولا ضير، ومن يسرق بالبول ومن ينتهز الهول ومن أطعم في السوق بما ينفخ البوق ومن جاء ببستوق وأصحاب البساتين وسراق الروازين ومن ضبر في الصرح ومن سلم في السطح ومن دب بسكين على الحائط من طين، ومن جاءك في الحين يحيى بالرياحين وأصحاب الطبرزين كأعوان الدواوين، ومن دب بأنين على رسم المجانين، وأصحاب المفاتيح وأهل القطن والريح ومن يقتحم الباب على زي من انتاب ومن يدخل في الدار على صورة من زار، ومن يدخل باللين على زي المساكين ومن يسرق في الحوض إذا أمكن في الخوض ومن سل بعودين ومن حلف بالدين ومن غالط بالرهن ومن سفتج بالدين ومن خالف بالكيس ومن زج بتدليس، ومن أعطى المفاليس ومن نقص من الكم وقال: انظر واحكم، ومن خاط على الصدر ومن قال: ألم تدر، ومن عض وشد ومن دس إذا عد، ومن لج مع القوم وقال: كيس ذا نوم، ومن غرك بالألف، ومن زج إلى خلف، ومن يسرق بالقيد ومن يألم للكيد ومن صانع بالنعل ومن خاصم في الحق ومن عالج بالشق، ومن يدخل في السرب ومن ينتهز النقب وأصحاب الخطاطيف، على الحبل من الليف.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية