منذ بزوغ فجرها المشرق الفريد في الخامس من شوال عام 1319هـ ، الموافق للخامس عشر من يناير عام 1902م، وبلادنا العزيزة الغالية المباركة ،المملكة العربية السعودية، تح ق ق مع كل فجر جديد إنجازات تشبه المعجزات على امتداد تاريخها المجيد، في مختلف المجالات، عبر عهود قادتها الكرام الأفاضل؛ بداية من عهد مؤسسها ومحقق وحدتها وجامع شمل أهلها ،وموحد قلوبهم قبل توحيد أرضهم، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيَّب الله ثراه وجعل الجنَّ ة مثواه، القائد الفذ، البطل الهمام، الرجل الصالح، المجاهد الصادق، الذي حمل هم الأمتين العربية والإسلامية؛ بل من أجل تحمل هذا العبء الذي نتشرف به جميعاً اليوم، أسَّس عبد العزيز، الرجل الفريد النَّادر الكبير، هذه الدولة القَّارة الفتيَّة ،بتوفيق الله سبحانه وتعالى، ثم بصدق قادتها وحكمتهم، وإخلاص شعبها ووفائه.. دولة الرسالة والعدل والمحبة والأمن والأمان والاطمئنان والسلام والخير إلى كل الأنام؛ دولة الريادة والنجاح والعمل.. لا دولة الكلام والدعاية والفشل.
ولتأكيد كل هذه المعاني السَّامية العظيمة اتخذ المؤسس لدولته الفتية من كتاب الله العزيز الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،ثم من سُنَّة رسولنا الكريم، المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم، دستوراً يحكم حركة حياتها، ويحدد العلاقة بين كل مكوناتها، حسبما أمر به الله و رسوله.
وظلَّ المؤسس يتحمل تلك المسؤولية العظيمة، التي كان يؤكدها في كل مناسبة، لأربعة وخمسين عاماً سماناً، حافلة بالكفاح والنجاح والعمل الدءوب، والانجازات العظيمة التي حسدنا عليها العدو وغبطنا عليها الصديق: )إننا آل سعود، لسنا ملوكاً، ولكننا أصحاب رسالة(.. تلك الرسالة الفريدة التي أسس عبد العزيز، و وضع اللَّبنات الراسخة المتينة لخدمتها والاطلاع بها على أكمل وجه ممكن .
ولأنه كان مؤمناً، صادق الإيمان، يدرك جيداً أن الخلود لله وحده سبحانه وتعالى، أعدَّ عبد العزيز أبناءه كأحسن ما يعد والد ولده، وأفضل ما يهيئ قائد خَلَفَه، لاستمرار مسيرة الخير القاصدة التي وهبها حياته المباركة كلها .
فاستجاب الله دعاءه، وحقق مراده، فقاد أبناؤه الكرام البررة: سعود ،فيصل، خالد، الفهد، وعبد الله المسيرة الخالدة الظَّافرة؛ وصولاً إلى عهد س يدي الوالد، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله و رعاه، و سدَّد على طريق الخير خطاه، ملك العزم والحزم والحسم، الذي يحتفي الوطن كله اليوم من أقص ى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن أقص ى شرقه إلى أقص ى غربه بتجديد البيعة الصادقة المباركة لمقامه السَّامي الكريم.
ففي كل عهد، على امتداد تاريخنا الخالد التَّليد، كان كل خلف يضيف مزيداً من اللَّبنات على هذا البناء الراسخ، ففاق كل عهد سلفه، وتفوق كل قائد حتى على نفسه في شموخ البناء ،وقيادة المسيرة، وتوجيه الدفَّة في ظل المنهج الذي رسمه المؤسس، و حدد معالمه واختط طريقه.
واليوم، اسمحوا لي أن اختلف مع الجميع، مع كل الاحترام والتقدير، فأقول إننا نحتفي بالبيعة الرابعة، وليس الثالثة، لسمو سيدي والد الجميع سلمان الخير، لعدة أسباب، أوجزها في سببين جوهريين؛ الأول: إننا نبايعه فعلاً للمرة الرابعة منذ أن تسلم الحكم في بيعتنا المباركة الأولى لمقامه السَّامي الكريم في الثالث من ربيع الآخر عام 1436ه، الموافق للثالث والعشرين عام 2015 م. أما السبب الثاني: لأننا دولة علم وإنجاز ونجاح وعمل.. لا دولة كلام ودعاية وحقد وفشل، تأبى علينا أنفسنا أن نظل حبيسين لما حقَّقناه من إنجازات ونجاحات مهما كانت عظيمة، بل نتطلع دوماً للمستقبل المشرق، كما علَّ منا قائد مسيرتنا سلمان، قدوتنا اليوم في الإدارة والتاريخ والأدب والثقافة والصحافة والإعلام والريادة في كل المجالات، الذي يعمل ليل نهار من دون كلل أو ملل، من أجل رفعة هذا الوطن وخدمة أهله ومساعدة الإخوة في العروبة والإسلام وخير البشرية في كل مكان؛ فحوَّل بلادنا إلى ورشة هائلة للعمل المتميز والإنتاج النَّوعي الوفير و يدٍ طويلة ممدودة بالخير للعالم كله .
أقول، لن أحدثكم اليوم عن إنجازات قائدنا البطل الهمام سلمان، التي سجلها التاريخ بمداد من نور، فأصبح الكل يعرفها كما يعرف نفسه وأبناءه؛ ولهذا لن أعيد كلمته الشاملة في افتتاح مجلس الشورى للدورة الحالية، ولن أعيد كلمته الضَّافية عن الميزانية وأرقامها، بل استشرف معكم المستقبل الذي يقودنا إليه هذا القائد الشامل الأُمَّة، الذي أكدت لكم مراراً إنه أوفى من الوفاء، كما نعرفه جميعاً، بل كما عرفه العالم كله، مثلما ظهر جلياً من خلال تلك الزيارات العديدة التي طاف فيها سلمان العالم من أقص ى الشرق إلى أقص ى الغرب، من أجل رفعة بلادنا وخدمتنا، حتى قبل أن يتسلم الراية في قيادة مسيرتنا الظافرة، وما كان يحظى به مقامه السامي الكريم من استقبال مهيب حيثما اتجه شرقاً أو غرباً.. وليس منظر استقباله المهيب في زيارته ا لأخيرة إلى روسيا، التي كانت أول زيارة لملك سعودي إليها، ببعيدة عن الأذهان.
أجل، استشرف معكم اليوم المستقبل في ظل قيادة سلمان الذي علمنا دائماً أن نستصغر جهدنا مهما تعاظم، إذ يؤكد في كل أحاديثه: )أنا، والحمد لله ،مرتاح للقلق، القلق معناه أننا نريد الأفضل، لن نكتفي على الإطلاق بما لدينا، ولم نعتقد ولن نعتقد إطلاقاً أننا وصلنا إلى ما يجب أن نصل إليه(؛ ثم يضيف: )يعجبني، والحمد لله في هذه الدولة، وفي هذا الشعب طموحه
المستمر، بحيث لا يرضيها دائماً ما وصلنا إليه، وما نصل إليه، بل نطمح إلى الأكثر، وهذه نعمة من الله عزَّ و جلَّ، لأنه إذا وصل الإنسان إلى الاعتقاد أنه عمل كل ما يريد عمله، هنالك يأتي الركود، ويأتي الانتكاس(.
وانطلاقاً من هذه الرؤية المتقدمة، والمبادئ الراسخة لقائد مسيرتنا اليوم، بطل العزم الأكيد والحزم السديد، سلمان الخير والطموح والعدل، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، موع وين بإذن الله و توفيقه، بما هو أعظم مما تحقق بمراحل، فها هي بلادنا تقتحم كل مجالات الحياة على اختلاف أشكالها: سياسية، عسكرية، اقتصادية، ثقافية، اجتماعيه... إلخ، بصدق وإخلاص وعقل وعلم وعزم وحزم قلَّ نظيره. ولهذا سوف تعزز دورها أكثر وأكثر في تحديد اتجاه بوصلة العالم ومعالجة مشكلاته السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية، لتحقيق الأمن والاستقرار بالقضاء على المتطرفين، تجَّار الموت والخراب والدمار، أعداء الشعوب في كل مكان ،أصدقاء الشيطان، الذين امتهنوا كرامة الإنسان وخانوا الأوطان، وخذلوا العقيدة بجهلهم وتنطعهم وسذاجتهم وفكرهم المتطرف الضَّال.
أجل، سترسخ بلادنا بتوفيق الله سبحانه وتعالى، ثم بحكمة قيادتنا الرشيدة وعزمها وحزمها ونيتها الصادقة وفكرها المتقدم وطموحها الذي لا تحده حدود، سترسخ بلادنا مكانتها أكثر في ريادة العالم والتأثير في كل أوجه حياته. ولن تعطل مسيرتها القاصدة شرذمة المخذلين والمثبطين العملاء الخائنين ،الذين قنعوا من الغنيمة بأقل من الإياب، فباعوا ضمائرهم، إن كان لهم من ضمائر، لأعداء ا لأُمَّ ة، وظلوا ينفثون سمومهم في مختلف وسائل الإعلام وبيع الكلام للشعوب المسكينة المغلوبة على أمرها، ظنَّاً منهم أن ذلك سوف يفل عزيمتنا القوية الماضية. وما علموا المغفلين أن إرادتنا أشد قوة من الصخر الصلد.
فنقول للذين يتهموننا بتبديد أموالنا: نحن أفضل منكم، وإن كان لا مجال لمقارنة هنا بين يد مبسوطة بالخير دوماً ويد متأبطة الشّرأبداً ، لأننا عرفنا كيف ننمي ثروتنا، بعد توفيق الله لنا، وكيف ن وظفها لخدمة رسالتنا وخير البشرية. ولهذا يتسابق العالم اليوم لتأسيس شراكات معنا في كل المجالات .
فقارنوا بين هذا وبين من يتسولون الدعم والهبات والمنح من جلاديهم، فاضطروا للالتزام بأمرهم في كل صغيرة وكبيرة، حتى إن كان هذا ضد مصلحة بلدانهم وشعوبهم أو حتى ضد مصلحتهم الشخصية، لأنه لم يعد لديهم من خيار.
أما الذين يتهموننا زوراً وبهتاناً وجهلاً بالتفريط في القضية الفلسطينية، فقطعاً يعرفو ن، لكنهم يكابرون، إننا الدولة الوحيدة في العالم التي تق دم للقضية الفلسطينية منذ بدايتها دعماً سخياً غير مشروط قلَّ نظيره؛ على النقيض تماماً عن غيرنا، بمن فيهم أمريكا نفسها، الذين يشترطون الحصول على مواقف سياسية معينة لتقديم الدعم واستمراره.. بالطبع هذا غير ما يؤذون به إخوتنا الفلسطينيين من منٍ وأذى.
وأحسب أن العاقل المنصف لن يجد نفسه في حاجة لكثير تفكير لإدراك السبب، فنحن أصحاب رسالة، نرى في خدمة فلسطين وأهلها ومقدساتها
وتراثها ، واجباً تمليه علينا العقيدة وأخوة الدم. أما غيرنا فتاجر، كل ما يهمه هو تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو غيرها من دعاية رخيصة ممجوجة، لم تعد تنطلي على أحد.
وعليه، أتمنى أن يعيد أولئك الذين أغواهم الشيطان، فباعوا كل شيء لإيران، فخانوا عقيدتهم، ودمروا أوطانهم، وخذلوا أمتهم في العراق وسوريا واليمن ولبنان، أتمنى أن يعيدوا قراءة التاريخ، فيتأملوا ماض ي إيران، لا أقول تاريخها البعيد، بل منذ عهد الشاه القريب؛ قبيل الثورة الإسلامية المزعومة، يوم كانت إيران ت زاحم العالم الأول في كل ش يء، ثم اليوم في عهد العمائم الذي أفقر الناس واستعدى العالم، فيما تسبح البلاد في النفط.. أغلى ثروة في الدنيا. ثم ليقارنوا هذا الحال البائس بماض ي السعودية وحاضرها، ليس من عهد عبد العزيز فحسب، بل منذ بزوغ فجرها الأول عام 1157ه/1744م؛ فسيجدون أننا في كل يوم كنا نحقق إنجازاً جديداً، ونضيف رصيداً من الخير والأمن والسلام للعالم أجمع.
وقطعاً، لا بد لدولة هذا هو شأنها ومنهجها المسؤول، أن تسير نحو المستقبل بخطىً ثابتة، وسياسة راسخة، وعزيمة ماضية، لتبقى محور سياسة العالم واقتصاده إلى الأبد، ولن تخيفها لعبة صواريخ الخيانة القذرة، ولن يثني عزمها خذلان الجهلة المتطرفين إخوان الشياطين، لأنها دولة خير وعلم ونجاح وعمل. لا دولة دعاية وكلام وفشل.
ولهذا أؤكد اليوم للجميع، أن ما يمكن أن يتحقق لنا في المستقبل، سيكون أعظم وأشمل، بحول الله وقوته وعونه وتوفيقه، ثم بقيادة خادم الحرمين الشريفين، والد الجميع، سيدي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ،ودعم ولي عهدنا الأمين أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود.. فكل عام وطننا بخير، وقيادتنا بخير، وشعبنا بخير ،وأمتنا والعالم كله بخير.. ولنجدد اليوم العهد لقائدنا سلمان، الأوفى من الوفاء .