يظن بعض الناس أنَّ حكمة الاقتصاد تقتصر على المال، وفاتهم أنها تشمل ما هو أهم من هذا بكثير. تشمل الوقت والجهد، والحب والكراهية، واللطف والعنف، والرضا والسخط، والواقع والخيال.
جاء في كتاب ( كيف تكسب الثروة والنجاح ) : إنَّ كلا من الجشع والتقتير تبذير، وكما أن الرجل الذي يمعن في المساومة نشال، كذلك المبذر لص يسرق نفسه، والصغائر كالثقوب في قاع السفينة، تؤدي بها إلى الغرق إن لم يكن عاجلاً فآجلاً، ومن الحكمة أن يبدأ الاقتصاد مبكراً، أي قبل أن تهرم الأعصاب ويتضاءل النظر، وتنخر الأسنان، وتشيخ المعدة.
ولو أننا سألنا كلاً من روكفلر، وفورد، وكارنيجي، وفندربلت، وهرست، ومورغان، وبفربروك، عن شعاره الذي كان له أكبر أثر في تكوين ثروته ، لأجابك : ((الوقت من ذهب)).
ولو أننا وجهنا السؤال نفسه إلى كبار العلماء والسياسيين، والقادة، والمخترعين، والمكتشفين، وكل من شق طريقه في الحياة صعوداً إلى ذروة النجاح، لأجابنا بلا تردد: ((الوقت من ذهب)). أفلا نعجب بعد ذلك أن نرى الملايين جلوساً سبهلالاً طيلة أوقاتهم.
أرأيت والداً أو مربياً ينهى ولده أو تلميذه عن الكذب ويأتي مثله: أرأيت حاكماً يظلم رعيته ويدعو الناس إلى الرحمة والعدل. يظن الكثيرون ممن يتولون أمور الآخرين، أن إسداء النصائح، وإلقاء العظات، كافية لتقويم ذلك الآخر وتهذيب خلقه، وإن كانوا هم مثالاً للاعوجاج والفساد. إنَّ من طبيعة الأشياء أنَّ التابع يقتفي المتبوع وينسج على منواله، رغم النصائح والعظات.
لقد تبارى الكتاب والحكماء منذ القدم في الوقوف على أسرار النجاح والمسألة لا تحتاج إلى الكثير من البحث والاستقصاء.
فما دام المرء مسروراً من عمله واجداً فيه لذة ومتعة، كان النجاح حليفه. ومهما واصل الليل بالنهار وهو على مضض، أو فاتر الشعور نحوه، فالنتيجة التي لامناص عنها هي الفشل في هذا العمل.
ولو أنَّ (جيمس واط)، و(ستيفنسون) و(أديسون) تطرق اليأس إلى نفوسهم، بعد أن فشلت تجاربهم مئات المرات، ورماهم الناس بالشذوذ وغرابة الأطوار إن لم يكن بالجنون فكفوا عن بذل الجهد والوقت والمال، والقوا سلاحهم. لما كان هناك آلات وسفن بخارية، ولا سكك حديدية، ولا ضوء كهربائي، ولا هاتف، ولا فوتوغراف، ولا لاسلكي ولا بنسلين.
المثابر لا يتقهقر، ومعنى هذا أنه يتقدم. وما أروع المثل الذي يقدمه لنا ربان السفينة المشرفة على الغرق: انظر إليه وهو يهيئ قوارب النجاة لإنقاذ الأطفال والنساء، ثم الشيوخ فبقية المسافرين، فضباط السفينة، فبحارتها.
فإذا ما تبقى لوح من الخشب يتعلق به في لجة أليم الفائر كان بها، وإلا فيهوي إلى القاع مع حطام مركبه، مرتاح الضمير، بعد أن أدى واجبه. وليست كل الواجبات بهذه الخطورة، بيد أن أتفه الواجبات وأقلها أهمية، لها ضرورة وحتمية تعرفهما النفوس النبيلة، الواجب يدفع الأقلية من الناس إلى الفضيلة والأكثرية منهم إلى الضجر والبطر.
[COLOR=#FF0055]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]