لاشك إن الشباب هم عماد الأمة وسر تفوقها ونهضتها، وهم بناة حضارتها وهم حماة الأوطان والمدافعون عن حياضها، ذلك أن مرحلة الشباب هي مرحلة الحيوية والطاقة والنشاط والعطاء المتدفق، فهم بما وهبهم الله من قوة بدنية وعقلية، وبما يتمتعون به من طاقة متجددة يحملون لواء الدفاع عن الوطن في حال الحرب، ويسعون في البناء والنماء أثناء السلم، وذلك لقدرتهم على التكيف مع مستجدات الأمور في مختلف المجالات العلمية والاجتماعية.
وبما أن جيل الشباب هو الجيل الذي تعقد عليه الأمة آمالها في تولي مسؤولية الوطن بحمايته والمحافظة على ترابه وسمائه وثرواته، فلا بد أن تضع الحكومات في اعتبارها الدور المستقبلي لشباب الوطن ذكوراً وإناثاً، ولذلك مازالت الدول الخليجية توفر الإمكانات الهائلة لإعداد وتأهيل أجيال قادرة على تحمل المهام التي تساهم في بقاء بلداننا الخليجية شامخة حصينة ومنيعة عصية على الطامعين والحاقدين.
كان الإسلام قد اعتنى بالشباب عناية فائقة ووجههم نحو البناء والخير والنماء، وقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب ليكونوا العامل الرئيسي في بناء كيان الإسلام وتبليغ دعوته ونشر نوره في كل بقاع العالم، فعمل عليه الصلاة والسلام على تهذيب أخلاقهم وشحذ هممهم وتوجيه طاقاتهم وإعدادهم لتحمل المسؤولية في قيادة الأمة. وفي الوقت ذاته حث الشباب على أن يكونوا أقوياء في العقيدة، أقوياء في البنيان، أقوياء في العمل، فقال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" غير أنه بين لنا بأن القوة ليست بقوة البنيان فقط ولكنها قوة امتلاك النفس والتحكم بطبيعتها، والسيطرة على انفعالاتها كذلك، فقال عليه السلام: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
وبهذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم بحنكته ونظرته الفاحصة وتوجيهه السديد قد تمكن بفضل الله من إعداد جيل من الشباب المسلم القوي الذي أصبح فيما بعد قادراً على تحمل مسؤولية الأمة وعزتها، ومؤهلاً لبناء الحضارة الإسلامية وتحصينها ونشر رسالتها للعالم حتى باتت العلوم الإسلامية مصدراً ومرجعاً لرواد النهضة الأوروبية والحضارة الغربية بأكملها. ومن ناحية التطبيق فإن الشباب في صدر الإسلام هم من ساندوا الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة، وانتشر الإسلام على يد هؤلاء الفتيان الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستشيرهم في كثير من الأمور المهمة ويأخذ برأيهم، ومن ذلك أنه أخذ برأي الشباب في الخروج لملاقاة الأعداء في غزوة أحد، وكان رأي الشيوخ التحصن داخل المدينة.
فكيف نستفيد اليوم من هذا الجانب التربوي المشرق الذي رسمه لنا وخطه من أجلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي المجيد، وما تلاه من اهتمام بالعلوم الإسلامية ونشرها خلال فترات الخلافة الإسلامية المتعاقبة؟. وكيف نأخذ العبر من الأحداث الدامية التي وقعت منذ سنوات ولا زالت الحرائق تشتعل في بعض أوطان العرب والمسلمين نتيجة ابتعاد بعض مفكري وقادة هذه الدول عن مبدأ التلاحم، وشقهم لصف الوحدة العربية والخليجية، وتغليب مصالحهم الخاصة وطموحاتهم السياسية على مصلحة الأمة وكيانها؟.
لقد رأينا ما آلت إليه الأمور في بعض الدول العربية المجاورة من ثورات وحروب أفرزت الذل والعار والفقر والمرض والتشرد نتيجة لحدوث التصدع في بناء الوحدة الوطنية لهذه البلدان، حيث كان أعداء الأمة قد تمكنوا من اختراق النسيج الوحدوي الضعيف من خلال العمل على إشعال نار الفتنة الطائفية والحزبية والمذهبية تحت مسميات وشعارات الديمقراطية والتغيير وبالتالي حدوث الصراعات الإقليمية والحروب الأهلية بين أفراد المجتمع الواحد مما مهد الطريق أمام الدول الطامعة للانقضاض على هذه الدول والسيطرة على مقدراتها ومكتسباتها.
رسم الغزاة لنا خريطة الشرق الجـديدِ *** والعاملــون عليها شعــارهم هو التغييــــرُ
وحينما تصدع البنيان وزلزلت اركانه *** تفجر الصراع ما بين بكرٍ والتغلبي الزيرُ
من ليبيــــا للشـــام فالعـــراق واليمــن *** حرائق اوقدها الشيطــان وابنه الصغيــــُر
كم نكبة حلت بنا وكم ومن نكســــــــة *** والمسجد الأقصــــى يئنُّ " متى التحرير"
وهنا يحق لنا أن نفخر بأوطاننا في الخليج، برجالنا وشبابنا ذكوراً وإناثاً. هذا الوطن الذي أذهل العالم بسرعة التطور فيه مع المحافظة على الثوابت الدينية والتقاليد الاجتماعية من ناحية والانفتاح اقتصاديا وعلميا وثقافيا على الآخرين من ناحية أخرى. ومن دواعي فخرنا أيضا هو وقوف المجتمع صفاً واحداً خلف قيادته وولاة أمره، مما قطع الطريق على الراغبين في زعزعة النسيج الوطني وزلزلة الجبل الشامخ الصامد، دول الخليج العربية.
ولهذا فإن حماية الوطن واجب ديني ينبغي علينا جميعا الالتزام به والمحافظة عليه جيلاً بعد جيل. والمحافظة على الوطن لا تعني لنا المحافظة على أعراضنا وأرواحنا وإنما تعني المحافظة على أعراضنا بأرواحنا، بمعنى أن نفتدي وطننا بمثل ما نفتدي به أعراضنا من أجل أن يعيش مجتمعنا بأكمله على هذه الأرض الطاهرة المباركة بعزة وكرامة وأمن وسلام، فالمواطن هو رجل الأمن الأول.
ولا أعتقد أن يوماً واحداً في العام سيكون كافياً لغرس هذه المفاهيم الوطنية المهمة في عقول أبنائنا بل إنني أرى ضرورة أن ننتقل بهم من الجانب النظري إلى الجانب العملي لمشاهدة كيف يتولى سلاح الحدود مثلاً حماية حدودنا ولماذا هم هناك بعيدون عنا. وما المانع من زيارة شبابنا لمراكز الشرطة لمشاهدة كيف يقوم رجل الأمن بواجباته في حفظ الأمن مما يعزز في عقولهم أهمية العلم والعمل به من أجل الوطن والمواطن.
وربما كان من المفيد تنظيم زيارات لطلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة لمشاهدة الأشخاص الموقوفين داخل عنابر التوقيف والمستشفيات عبر شاشات تلفزيونية يقدم من خلالها برامج تهدف إلى التوعية وبيان المخاطر والعقوبات، فالبعض من صغار السن قد لا يدركون تماماً عواقب الأمور لجهلهم بالعقوبات المقررة شرعاً في النظام، وبهذه المشاهدات والزيارات الميدانية نستطيع زيادة معرفتهم وتوسيع إدراكهم لمفهوم الأمن الوطني الشامل، ونستطيع -وهذا المهم- أن نبني جيلاً شاباً واعياً مدركاً وقادراً على تحمل المسؤولية في المستقبل. فمن خلال هذه المعطيات البسيطة مما ينبغي إعداده وتقديمه أو عرضه أمام شبابنا من منجزات وطنية وأنظمة أمنية عامة ومشاريع تنموية اقتصادية وتعليمية هائلة، فسوف يتم تحفيز وتكريس الحس الوطني لديهم مما يؤدي بالتالي إلى زيادة الوعي المعرفي والعلمي وتجسيد مفهوم الانتماء للوطن.