تباينت الردود حول قرار وزارة التعليم الصادر مؤخراً بشأن زيادة مدة اليوم الدراسي ساعة واحدة بهدف تفعيل النشاط الطلابي بشكل أفضل؛ ومن اللافت للنظر أن معظم من كتبوا عن الأمر قد أشاروا إلى خبرتهم في المجال التعليمي، مما يمكن معه اعتبارهم يمثلون صوت الميدان التربوي أو بعضاً من ذلك الصوت على وجه أدق. وعلى الرغم من أهمية الخبرة وليس الخدمة في المجال التعليمي تحديداً، ومع أن تعدد وتنوع المهام التعليمية والتربوية أمر جيد يحسب للنظام التعليمي، إلا أنه يفترض بمن يدّعي ذلك أن يمتلك خبرة ورؤية ميدانية واضحة أو دقيقة على الأقل فيما يطرحه مزودة بالأرقام والإحصاءات.
في البداية يجب أن نتفق جميعاً، على أهمية النشاط المنهجي أو النشاط المصاحب لعملية التعليم والتعلم ودورة في تنمية المهارات والقيم التربوية، وتعزيز التواصل والتعاون بين المتعلمين، ونقل التعليم من التلقين اللفظي إلى التعلم المحسوس التجريبي المعتمد على الملاحظة والتجريب، وهذا ما تنشده نظم التعليم العالمية وتتمايز فيه.
ومما لا شك فيه أنّ الميدان التربوي اليوم يتطلع لنقله نوعية في جوانب عدة تشمل منظومة المنهج الشاملة: كطرق التدريس وأساليب التقويم وتحسين البيئة التعليمية بالمدارس بنسبة % 100 وكذلك تفعيل النشاط الطلابي بشكل يتوافق مع رؤية المملكة 2030 ومع التوجه التربوي العالمي. وقد تحقق البعض منها وإن بنسب متفاوتة... فعند مقارنة الوضع التعليمي الحالي مع العشر سنوات الماضية يتضح التطور النوعي الذي شمل منظومة التعليم.
وإنه من الإنصاف الاتفاق مع الآراء التي تنتقد القرار بحجة الحاجة لخطة تفصيلية واضحة تتمثل في الدليل الإجرائي لتنفيذ القرار، وهذا ينبغي أن يتضح للمنفذين مع بداية الفصل الدراسي، حتى يستكمل القرار خطوات تنفيذه. بالإضافة إلى توفير الإمكانات المادية والبشرية وتهيئة بيئة التعلم بما يضمن تفعيل القرار بشكل يحقق الأهداف المتوخاة منه. إلا أنه من الواضح أن كثيراً من الآراء قد تضمنت العديد من النقاط محل الاختلاف ومنها:
- توجيه الاتهام للمعلمين بأن ليس لديهم الولاء لمهنتهم نتيجة لبند 105 الذي تم العمل به سابقاً، علماً أن من تم تعيينه وفقاً لذلك البند لا يمثل أكثر من 17% بواقع قرابة 80 ألف معلم من إجمالي عدد المعلمين الحالي الذي يقدر بنص مليون معلم ومعلمة. فهذه النسبة تعد ضئيلة وقد تم معالجة وضعهم. وفي المقابل وصفهم بالوعي والحرص على التطوير والاطلاع على أنظمة التعليم العالمية. إن من خلال احصائيات وزارة التعليم لعام 2015 فإن عدد طلاب التعليم العام الحكومي يبلغ 5553558 طالباً وطالبة وعدد المعلمين بلع في عام 2015 قرابة 527030 وبهذا يقابل المعلم الواحد 11 طالباً في التعليم العام وهذه نسبة مقبولة عالمياً، بالرغم أن هناك حاجة لتفاصيل أكثر لمعرفة النسب الدقيقة بين تعليم البنين والبنات لكن بأي حال من الأحول لو انخفضت نسبة المعلمين إلى نسبة 40 % كما أشير إليه في بعض الانتقادات الموجة للقرار فالنسبة ستكون 1 معلم يقابل 24 طالب وتبقى أيضاً نسبة مقبولة.
- إن النشاط المدرسي ليس وليد القرار وقد عُرف منذ تأسيس النظام التعليمي، ووجد بالتنظيمات المدرسية مسمى رائد النشاط المدرسي المفرغ أو المكلف جزيئاً، وبهذا فليس صحيحاً أن الرقم المطروح 35 ألف معلم هم حاجة الميدان من رواد النشاط كنتيجة لتفعيل القرار.
- لقد مَنح قرارُ الصلاحيات الصادر في 1/7/1437 ه، برقم 37617168؛ (60) صلاحية لقائد وقائدة المدرسة، تلك الصلاحيات التي ترد بوضوح على العديد من الانتقادات الواردة بالكثير من الكتابات المتداولة، فعلى سبيل المثال:
- يحق لقائد المدرسة التعديل في زمن الحصص والفسح والجدول الدراسي لتنفيذ برنامج مدرسي يحقق مصلحة تربوية، اعتماد برنامج الرحلات والزيارات داخل النطاق التعليمي، زيادة اليوم الدراسي لمجموعة من الطلاب لا تزيد عن ساعة يومياً لتنفيذ برنامج تربوي أو تعليمي كالحصص العلاجية لبعض الطلاب، تنفيذ برنامج نشاط مدرسي خارج وقت الدوام المدرسي بما لا يزيد عن 3 أيام، التعاقد مع مدربين تابعين لجهات معتمدة لتنفيذ برامج تدريبية داخل المدرسة، الاتفاق مع القطاع الخاص لرعاية البرامج المدرسية، الاتفاق مع الجهات المختصة بالتغذية لتشغيل المقاصف المدرسية وتحسين النمط الغذائي، المناقلة بين بنود الميزانية المدرسية حسب الحاجة لمرة واحدة في العام الدراسي...إلخ. وغيرها الكثير من الصلاحيات التي تمس النشاط بشكل مباشر وتخفف من مركزية القرارات المتعلقة بالنشاط. كل وهذا – من وجهة نظري-كفيل بخدمة القرار وتفعيله في الميدان.
إن الخطط الجيدة هي الخطط المرنة التي تقبل التعديل والتطوير وفق مقتضيات الظروف والإمكانات، فقد تكون من المميزات التي يتميز بها القرار أن بمقدور الموظف التزامن مع خروج أبنائه بدلاً من النظر للازدحام المروري في أوقات الذروة. كما أن الدولة عملت خلال خطط التنمية السابقة والحالية على إنشاء مشروعات للنقل العام وشق الطرق في شتى المدن الرئيسة لحل هذه المشكلة بمليارات الريالات. كما أنه من غير المنصف أن يتم تعليق قرارات تمس تربية وتنشئة الأجيال القادمة، وبالتالي مستقبل هذا الوطن خشية من الازدحام المروري، أو ضيق الشوارع.
أما ما ورد حول التكاليف المادية نظير زيادة اليوم الدراسي ساعة واحدة فهذا لا يعد مبرراً لإلغاء العمل الإضافي الذي يحقق مصالح تعليمية تربوية عليا، فإن زادت الأعباء الكهربائية بالمدرسة فستخف على الأسرة بالمنزل مثلاً.
وما أود الإشارة إليه قبل الختام أن (65 %) من مدارس البنين وفقاً لتصريح صاحب السمو الملكي خالد الفيصل والمنشور بصحيفة مكة في تاريخ 17 سبتمبر 2014 هي مدارس حكومية مؤهلة تأهيلاً كاملاً وأن العمل جار على استكمال 35% من مدارس البنين. وعند العودة لإحصاءات الوزارة في ذات العام تبين أن عدد مدارس البنين 13583 مدرسة منها 8828 مدرسة حكومية مؤهلة. وبهذا يكون للقرار بيئة جيدة وقاعدة صلبة تمكنه من النجاح.
ختاماً إن مقارنة أي نظام تعليمي بآخر قد لا تكون عادلة بنسبة عالية لاختلاف عنصر المقارنة أساساً، فنجاح فلندا على سبيل المثال وذكرها هنا لاستشهاد بعض الكتاب بتجربتها لا يُعزى فقط لقلة بقاء الطلاب بالمدرسة، وإنما يعزى إلى منظومتها التعليمية بشكل متكامل بدءا من الفلسفة والأهداف وانتهاء بأساليب التقويم مرورا ببيئة التعلم وإمكاناتها البشرية والمادية.
وبناء على ما تقدم، فإنه من غير المفيد للوزارة ولا الميدان التربوي وبالتالي من غير المفيد للمجتمع هذا التراشق الإعلامي، وهذا التنافر بين المشرعين والمنفذين، الذي يلقي بظلاله على حركة العملية التربوية والتعليمية شئنا أم أبينا، بل يجب -والحالة هذه - أن نبحث عن الحلول والطرق التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف بتآزر الجهود، وأن تبقى قنوات الحوار مفتوحة وبرعاية الوزارة نفسها، وهو ما سيسهم في الاستفادة من النقد البناء الذي يزخر به الميدان التربوي، والذي سيكون تغذية راجعة يمكن للوزارة الاستفادة منها بما يمكنها من قياس الأثر الإيجابي لقراراتها.
وفي نهاية المطاف فإن كل هذا سيصب في مصلحة الوطن وسيكون نموذجا يحتذى لبقية الوزارات في نمط العلاقة التي تربط بين مقدم الخدمة والمستفيد وأدواتها التنفيذية؛ كي تتكامل الجهود تحقيقا لرؤية المملكة 2030.
كتبه / محمد بن عبد الله الأحمدي الزهراني
عضو هيئة تدريس بكلية التربية - بجامعة بيشة.