يعتبر الحجّ مؤتمراً إسلامياً لحلّ مشكلات المسلمين الاقتصادية، حيث يفد إلى الأماكن المقدسة ملايين المسلمين من شتى البقاع، منهم العلماء المتخصصون في مجال الاقتصاد، فيكون ذلك فرصة طيبة لعقد المؤتمرات والندوات والحلقات الدراسية لمناقشة مشكلات المسلمين الاقتصادية، في سبيل الوصول إلى التكامل والتنسيق الاقتصادي المنشود بين دول العالم الإسلامي.
وفي الحجّ رواج اقتصادي؛ إذ يتسم موسم الحجّ بالرواج الاقتصادي لما يتطلبه من سلع وخدمات لازمة لأداء مناسك الحجّ، فكم ينفق من النقود على وسائل الانتقال، وشراء المأكولات والمشروبات، وشراء الملابس، وشراء الذبائح، وتكاليف الإقامة.
وفي الحجّ دعوة إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي؛ إذ في الحجّ دعوة لتطهير المعاملات بين الناس من الخبائث والموبقات من ربا واحتكار وغشّ وتدليس وغرر وجهالة وأكل لأموال الناس بالباطل. كما أن الحاجّ عليه أن يتجنّب الإسراف والتبذير والإنفاق الترفي. فالحجّ دعوة صادقة لتطبيق الاقتصاد الإسلامي على مستوى دول العالم الإسلامي.
والحجّ مؤتمر إسلامي تلتقي فيه الخبرات العالمية الإسلامية، صنّاعيين، وتجّاراً، ومهنيين، وبجميع التخصصات، وبهذا تنتهز الفرصة، لتنمية العلاقات الاقتصادية بين المسلمين، ومناقشة مشكلات الأمن الغذائي، ومدارسة الخطوات الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي لدول العالم الإسلامي.
وفي الحجّ فرصة لاغتنام منافع التجارات والعمل وكسب المعيشة، وكذلك منافع البُدْن والذبائح للفقراء والمساكين والمحتاجين، داخل الأماكن المقدسة وخارجها، يقول سبحانه ((والبُدْن جعلناها لكم من شعائر الله، لكم فيها خير...)) الحجّ/36.
ثم إن للحجّ ــ إضافة إلى ما سبق ــ جوانب اقتصادية كبيرة ؛ ذلكم أنه فرصة للكسب المادي ، والكسب الروحي ؛ فهو عبادة مالية وبدنية، وثوابها جميعاً في الآخرة. يقول سبحانه ((ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربِّكم...)) البقرة/198. وفي هذه الآية إشارة إلى أن ما يبتغيه الحاجّ من فضل الله، مما يعينه على قضاء حقه، ويكون فيه نصيب للمسلمين أو قوة للدين، فهو محمود، وما يطلبه لاستبقاء حظّه أو لما فيه نصيب نفسه، فهو معلول. ومتى ما استقرّ في قلب الحاجّ إحساس بأنه يبتغي من فضل الله، فهو إذن في حالة عبادة لله، لا تتنافى مع عبادة الحج، في الاتجاه إلى الله.
يقول سبحانه: ((ليشهدوا منافع لهم...)) الحجّ/28. وقد اُختلف في تفسير المراد، فبعضهم حملها على منافع الدنيا، من الاتجار في أيام الحجّ. وبعضهم حملها على منافع الآخرة، من العفو والمغفرة. يقول ابن الجوزي رحمه الله: ((والأصح، مَنْ حملها على منافع الدارين جميعاً، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة، وإنما الأصل قصد الحجّ، والتجارة تبع...)).
وهكذا ففي الحجّ، منافع اقتصادية واجتماعية وسياسية، وفيه التعاون والتكافل، وشعور المسلم بأخيه المسلم، وفيه تصفو النفوس وتزكو وتتصل بخالقها أيّما اتصال، وفيه تكثر أعمال البرِّ والخير والإنفاق والصدقة.
أ . د / زيد بن محمد الرماني
ــــ المستشار الاقتصادي
وعضوهيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية