الصديق و الصداقة ، الفوائد و الأضرار ، كلام حفِظناه ،وحفَظناه ابناءنا ، ولكنها لا تتعدى عند أغلبنا من تحذيرات و تنبيهات وتوجيهات جوفاء، تُلقى تأدية واجب، و رفع للحرج، و اتقاء اللوم، وكأن هذا الإبن منزل من السماء، معصوم من الخطأ، منزه عن الزلل، لا أيها الاب أيها المربي أيها الفاضل هناك تكملة لماسبق فمجرد الكلام لا يعفيك من المسؤولية ، تبقى الحلقة التي تربط بين التوجيه و استيفائه ، حتى تكون أديت الأمانة و نصحت بحق إنها المتابعة للأبناء و معرفة أصدقائهم بسؤالهم و سؤال من تثق بهم من أصحابهم و سؤال الوكيل و المرشد و المعلمين و من تثق بهم من الجيران ، قد يقول قائل و أين الثقة بالأبناء و إعطاءهم مساحة من الحرية لاختيار أصدقائهم ، و أن لا نتجسس عليهم ،أقول لا تعارض بين ذلك ، تثق بهم ولكن ليس بالثقة المطلقة فهم لايزالون تحت الولاية، تعطيهم مساحة لاختيارهم لكن وفق إطار عام يفرض عليهم ، أما التجسس فمرفوض بل يجب أن تشعرهم بمتابعتك أي أخبرهم أنك ستسأل عنهم و عن أصدقائهم ، مع أنه في بعض الظروف قد تضطر للتجسس و التحسس ، و ما سبق لمن هم في مرحلة المراهقة أم الطفل فله تعامل آخر.
في أيام ربيعية و تحديدا في يوم خميس اختفت شمسه خلف غيومه زاد من روعته نسيم محمل بعبق المطر وفي مكتب الوكيل المقابل لمدخل المدرسة كنت أصور بعض الأوراق عندما دخل شاب رث أشعث أغبر عاصب الرأس تسبقه رائحة دخانه قد خط شاربه، لا أظنه بلغ العشرين من عمره، سلم بكل أدب ثم طلب الأذن من الوكيل لطالب في الصف الثالث المتوسط مدعيا أنه خاله و أن هناك ظرف أسري، شك الوكيل في الموضوع وحق له ذلك فالوضع مريب، ومع أنه كان بإمكانه الرفض بحجة التعليمات التي ترفض خروج الطالب إلا مع ولي أمره، إلا أنه قرر أن يتأكد ولكن بطريقته التي ستبين صدق أو كذب هذا الخال المزيف،استاذن الوكيل من الخال لإحضار الطالب مع كتبه وتوجه فورا للمدير وأخبره بشكوكه، رجع الوكيل لمكتبه و أخبر الخال أن الطالب لديه اختبار الآن واستأذنه في أن ينتظر ما بقي من الحصة، أما المدير فقد تواصل مع ولي الأمر الذي تفاجأ و أكد المدير أن أخوال الطالب خارج المنطقة الشرقية كما طلب منه تعطيل هذا المدعي لحين حضوره ليعرف منهو هذا المدعي، أوضح له المدير أن هذا ما تم؛ وأن الرجل ينتظر نهاية الحصة في مكتب الوكيل، يبدو أن الخال المزيف شك في شيء فستأذن للخروج وأنه سينتظر في السيارة، و لحظة خروجه من مدخل المدرسة تواجه مع الأب الذي دخل مسرعًا منزعجًا بينما ولَّى الخال راكضا لا يلوي على شيء، دخل الاب المكتب وهو يسأل " وينه ، وينه الكذاب الداشر… " تعجبنا منه كيف يسأل عنه وقد قابله عند المدخل !! لكنه أنكر معرفته بهذا الشخص وأن هذه أول مرة يشاهده، هدئ الوكيل الأب و أجلسه، صادف أيضا حضور المدير الذي أراد أن يكشف هذا المدعي و لكنه للأسف فاته ، تم استدعاء الابن وبثقة أنكر معرفته أو تنسيقه لهذه الخطة الفاشلة وعندما واجهوه بتسجيل كاميرات المراقبة حلف الأيمان المغلظة أنه لا يعرفه و لا يعلم شيئا عن هذا الخال المزيف أيضا أكثر من مرة يتم إعادة وإيقاف التسجيل بناء على رغبة الأب لكنه يأس من كشف هويته وشخصيته ، لتمضي الأيام و تتكشف الحقيقة عن طريق أحد أصدقائه الذي أفاد أنه هو والابن و الخال المزيف الذي كان طالبا في مدرسة ثانوية اتفقوا في ذلك الخميس للخروج من المدرسة والتنزه على شاطئ الفناتير ، أما الأب فلا زال حتى نهاية ذلك العام وانتقال إبنه للثانوية لا يعرف ذلك الخال المزيف .
لا تظن أيها الأب أنك ستصل مع أبنائك للشفافية العالية التي تجعلهم يخبرونك بكل أسرارهم و أصدقائهم بين عشية وضحاها بل تحتاج لتأسيسهم منذ الصغر و تربيتهم على ذلك؛ وتأكد أن لهم أسرارهم التي لن تعرفها أبدا.