الكثير في مجتمعاتنا تدب بينهم الخصومة عند اقل الصور ضبابية ، حتى انك تجد القطيعة بين الأخوة داخل الأسرة الواحدة ، بين أبناء العمومة بين أفراد المجتمع الواحد ، بل يتعدى ذلك إلى برود العلاقات الزوجية ، وتصرم الود وتكسر مجاديف قوارب الحميمية بينهم ، ومن المؤسف جداً انه عندما تتبع أسباب تلك الخصومات والتفرقات ، تنصدم بل تصاب في حالة من الذهول المربك من بساطتها ان لم يكن من تفاهتها !
في المقابل عندما يموت شخصاً ما ويصبح في عالم لا يعني له الود و الثناء وشهادات الشكر أي معنى تبدأ عبارات التمجيد والتبجيل وينكشف حباً جديداً لم نعهده؟
ماذا دهانا وماذا حل بساحتنا ؟
فأبسط صور ديننا التي أرشدنا لها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه "
أُذكركم في الماضي القريب ان أحد زعماء العرب عندما كان حي غضب عليه الجميع في حياته ، ثم عندما مات رضي عنه الجميع وأصبح رمزاً يمجده السواد الأعظم من بيننا وكأن الموت أحد شروط الرضا !
هناك نفوس كأنها "مقبرة "
لا تحب ولا تتقبل ولا تحتضن إلا الموتى فقط !؟؟
من القصص المعبرة أحد الأخوة يقول :
كنت أذهب مع أخي الأكبر إلى المدرسة وأنا طالب في المرحلة الثانوية ، وكنت لا أحب سماع الأغاني
بل انزعج منها وكان أخي يعرف ذلك أتم المعرفة ، بينما أخي عكسي تماماً حيث كان مهووس بها ..
وفي كل صباح كنا نمرّ بالقرب من مقبرة وكان من طقوسه المثيرة للجدل انه يغلق الصوت عند مرورنا بالمقبرة!
وفي أحد الأيام شدني الفضول بأن سألته ، لماذا تغلق الأغاني عند مرورنا بالمقبرة؟
فقال احترام للأموات!
قلت بتعجب مرير!
والحي الذي بجانبك الذي هو أخيك لماذا لا تحترمه وتغلقها طوال ما هو معك؟!
علمت ان البعض من الناس تحترم الأموات ولو لم تعرفهم ، ولا تحترم بعض الأحياء وهي تعرفهم..
لا أدري أكان لزاماً أن يحتاج الناس للموت.
ليخرج الذين حولهم من مشكلة الخرس العاطفي.
"خدمات ما بعد الموت " ظاهرة تهدف إلى تقديس الميت الذي كان مهملاً ومهشما وهو حي ..
بل مبغضاً ومحارباً بلا ذنب يستوجب كل ذلك!
سخِر من ذلك أحد المفكرين فحكا تلك المقولة المشهورة :
"مات جاري أمس من الجوع ، وفي عزائه ذبحوا كل الخراف" !
وردة واحدة أيها الأحياء لإنسان على قيد الحياة
أزهى وأجمل وأثرى من باقة كاملة على قبره .
كلمه طيبه في آذنه حي ، أعظم من مجلد يمجده بعد رحيله إلى عالم الأموات.
وكما تذكرون محاسن موتاكم ، فلا تنسوا أن للأحياء محاسن تذكر وتشكر.
تذكروا أنهم في مرحلة الحياة هم أحوج بكثير إلى الحب إلى المساعدة إلى شي من صفاء القلب تجاههم ، إلى الشكر التقدير والتلاحم معهم برباط الود أكثر من إحتياج ذلك بعد الرحيل الذي لن يقدم في عالمهم شيء ، فقد أفضوا إلى خالقهم الذي هو ارحم وألطف وأكرم من خلقه.
فتحدثوا إلي بعضكم اشكروا افرحوا لفرح الآخرين ازرعوا الحب بينكم ، اجتثوا نباتات البغضاء والشحناء وعبروا عن مشاعركم الآن ، قبل فوات الأوان.
فكلنا راحلون..
دمتم بود ..