من المفارقات العجيبة انه ليس كل سليم العينين بصير ، وليس كل من فقد عينيه أعمى!
فالأعمى الحقيقي هو أعمى البصيرة الذي يرى بعينيه ولا يدرك بعقله ، فتجده يتخبط في أمره!
يمتلك عينين حادة البصر، تقع على الصغيرة قبل الكبيرة، ينتقد هذا ويشتم ذاك دون وعي وإدراك ، يعتقد بعقله المحدود بل يثق بصواب أفعاله وحسن أقواله مهما كانت منحرفة عن المسار الصحيح وذلك بسبب ما اعتلى قلبه من غشاوة البصيرة!!
تكبر المصيبة وتتفاقم عندما يخالط عمى البصيرة جهلاً مطبق وتكبراً عن الحق مفرط.
لا ينقاد للحقيقه ولا يتورع عن الخوض في الرذيلة!
قال تعالى:- (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور ))
تبادر إلى ذهني هذه القصة والتي يندرج تحتها الكثير من العبر والدروس!
فقد ولد شخص أعمي وقضى "30" عاماً من حياته فاقد البصر ، ومع تطور الطب أتيحت له فرصة أن يقوم بعملية تجعله يبصر ، ذهب إلى المستشفى وأجرى العملية وجاءه الطبيب ليزيل الأربطة من على عينيه فتح عينيه ليرى النور الأول في حياته!
ردة الفعل كانت مفجعة بالنسبة له فلم يستطيع أن يميز أي شيء يراه لأنه قضى طوال حياته منذ أن ولد وهو يتعرف الأشياء عن طريق اللمس ، فهو لا يعرف شيء إلا باللمس، ولا يعرف معنى الألوان ولا حتى شكل الإنسان لدرجة أنه لا يعرف معنى اقتراب الشيء منه وبعده عنه!
فهذه كلها أمور لا يفهمها ولا يترجمها إلا من أستخدم عينيه من قبل عقله، بينما صاحبنا أرتبط طوال حياته باللمس ولم توجد أي صلة بين عينيه وعقله .
قضى الأسابيع الأولى بعد العملية وهو كالأعمى فهو بصير ولكنه لا يفهم ما يبصره ، ثم بدأ يتعرف على الأشياء تدريجياً يرى التفاحة فلا يعرفها ثم يلمسها فيتعرف عليها فيربط بين ما رآه بعينه وما تعرف عليه بلمسه فيفهم عقله .
مضى على هذا الحال أشهراً ولأنه لم يعتد على النظر من قبل فقد بدأ يلاحظ أموراً لا يلاحظها الإنسان العادي ، فبدأ يرى تعابـير الوجه البسيطة ويتعرف عليها، أصبح يلاحظ تعابـير النفاق والكذب والارتباك، وهي أمور لا يلاحظها الإنسان العادي إلا من أُعطيَ الفراسة والقدرة على ملاحظة دقائق تعابـير الوجه فيرى أموراً لا يراها غيره!
نعود إلى صاحبنا الذي أصبح يستمتع بأمور لا يلقي لها الإنسان العادي بالاً!
يستمتع بشروق الشمس وغروبها، يستمتع بمظهر الطفل البريء وهو يبكي يستمتع بمظهر الطيور وهي تحلق أسراباً في السماء .
بعد عدة أشهر حدث له أمر غريب حيث تدهورت حالته البصرية شيءٌ فشيء حتى فقد بصره وعاد لسابق عهده لأول.
شعور رهيب شعر به ذلك الرجل بعد أن قضى أشهراً وهو يرى بعينيه!
وقد عبر ذلك الرجل فيما بعد عن تجربته بقوله : ليس الأعمى من لا يرى ، وإنما الأعمى هو الذي لا يشعر بما يراه ولا يتدبر فيه، فكم من بصير يرى بعينيه ولكن قلبه لا يرى شيئاً وكم من أعمى البصر ولكن قلبه يرى .
اللهم ألهمنا مع البصر حسن البصيرة وفضل التدبر والشكر...
دمتم بود..
التعليقات 3
3 pings
د.فايز بن سالم
07/02/2017 في 12:52 ص[3] رابط التعليق
من أمتع المقالات التي قرأتها
سلمت أيها المبدع وسلمت بصيرتك التي استلهمت هذه الروعة معنى وفكرا.
(0)
(0)
ابو فهد
15/02/2017 في 10:19 م[3] رابط التعليق
الكاتب المعروض محمد الجهز
فعلا كلمات درر لمن يرى بقلبه ويبصر بعينه فلقد جمعت بين العين والقلب بهذا المقال فنامل منك المزيد لتعم الفائده للجميع فوقك الله
(0)
(0)
محمد بن جهز
18/02/2017 في 2:54 ص[3] رابط التعليق
دكتور فايز
الأستاذ فهد
كل التقدير وعظيم الشكر لكما .. اسعدني مروكما وتعليقكما .
اسعدكما المولا
(0)
(0)