الخطأ من سمات اﻹنسان ، ولاشك في ذلك !! ومن لايخطئ فليس بإنسان ، فمن لايخطئ في هذه الدنيا من البشر ؟؟!! ومادام أن الخطأ من سمات اﻹنسان فقد أخطئ لأكون إنسانا !!!
وهذه منظومة الاعتذار من اﻷخطاء :
1- مواجهة النفس ومحاسبتها .
بعض الناس لم يترب على مواجهة نفسه ومحاسبتها ، فتجد سجله التاريخي مليئا باﻷخطاء المتراكمة ، ﻷنه تربى على عدم محاسبة نفسه ، واستمر متغذيا من أخطائه ، بسبب سوء التربية ، والكبر ، والغرور ، والمزايا ، والمناصب ، والشعور بالذاتية ، والنرجسية ، ونحو ذلك ، فما أعظم النفس اللوامة !!! وما أجبن النفس اﻷمارة !!! ولكن اﻹنسان العاقل هو ذلك اﻹنسان الذي يعيش بعقلانية مع نفسه ، وواقعية مع ضميره ، لديه كوابح من العقل والتدبير ، يكبح بها جماح نفسه اﻷمارة ، فيحاسب نفسه قبل أن يحاسب اﻵخرين ، فيرتاح بنفسه ، ويريح غيره ...
ومن لايحترم غيره لايحترم أساسا نفسه ، فاحترام اﻵخرين نابع من احترام الذات ، وفرع عنه ، فمن الذي لايحب ألا يحترم نفسه ، ويثمن ذاته ؟؟!!! ومقتضى احترامنا اﻵخرين منحهم حقوقهم ، ومن حقوقهم الاعتذار لهم عند اﻷخطاء بحقهم ، لكن شتان ما بين إنسان صادق مع نفسه في كل الظروف واﻷحوال ، وإنسان آخر يعيش مع نفسه مخادعا لها يعيش في اﻷوهام !!!
2 - الاعتراف باﻷخطاء .
الاعتراف باﻷخطاء فضيلة ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، وعندما نكون شفافين مع أنفسنا فلابد أن نرى أخطاءنا واضحة في مرآة سلوكنا وتصرفاتنا ، ومادام أن هناك أخطاء نراها فلماذا لا نعتذر عنها ؟؟!! وقد نرى أخطاءنا ﻷننا شفافون مع أنفسنا ، وقد لانستطيع أن نراها ، لكن نحتاج إلى مرآة عاكسة ترينا تلك اﻷخطاء ، أليس المؤمن مرآة أخيه ؟؟!! وإذا اتضحت لنا اﻷخطاء من اﻵخرين فمقتضى الحال أن نقلع عنها أو نتوب أو نعتذر ، حسب طبيعة تلك اﻷخطاء ....
3 - تقديم الاعتذار قوة وشجاعة .
ليس الاعتذار عن الخطأ ضعفا على وجه اﻹطلاق ، بل هو قوة وثقة بالنفس ، فاﻹنسان غير الواثق من نفسه ، ليس لديه الشجاعة مع نفسه ، وأمام اﻵخرين أن يعتذر عن أخطائه التي ارتكبها في حق اﻵخرين ، ﻷن وعيه الفكري منخفض ، لايؤهله لتقدير قيمة الاعتذار ، وﻷن نفسه لاتقوى على عظمة المواجهة باﻻعتذار ، فأفقه الفكري الضيق يقول له : إن اعتذرت فستصبح في نظر اﻵخرين ناقصا مهزوما ، فلا تكن مهزوما ناقصا ولاتعتذر ، ويقول له أفقه الخلقي : إن اعتذرت فسوف ينزل قدرك أمام اﻵخرين ، فلا تعتذر !!!
أما اﻹنسان الحضاري الناضج فكريا وخلقيا ، فينظر إلى الاعتذار من زوايا رحبة ، وآفاق واسعة ، يرى الاعتذار قوة ومزية وفضيلة ، فيقدم الاعتذار تقديم الواثق من نفسه ، الشجاع مع ذاته ، الذي يمنح اﻵخرين حق الاعتذار إليهم ، وواجبه نحو ضميره وأخلاقه ، وسجل تاريخ اﻹسلام حافل زاخر بمواقف الاعتذار على مختلف المستويات ، ﻷن الاعتذار فضيلة ، وتاريخ اﻹسلام مترع بالفضائل ، ومن العيب أن نرى اليوم الغرب الكافر يقدم الاعتذار عند اﻷخطاء ، ونحن المسلمين المعاصرين نحجم عن تقديمه ....!!! والاعتذار عن اﻷخطاء من صميم ديننا الحنيف ، فكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، ومغفرة الله جل جلاله لعباده الذين يخطئون بالليل والنهار ، فيغفر الله لهم إن شاء سبحانه وتعالى ....
4 - تربية النفس على الاعتذار .
اﻷب الذي يعاقب ولده عن أي خطأ ارتكبه ولده لايمنحه الفرصة ، ليعترف بخطئه ، وتقديم الاعتذار ، بل إن استخدام العقاب عن أي خطأ يولد الكذب والنصب واللف والدوران والاحتيال ، لكن اﻷب الذي يقدم الشكر والتقدير والهدية لولده ، ﻷنه اعترف بخطئه فاعتذر ، يساهم في تربية أولاده على قيمة الاعتراف باﻷخطاء والاعتذار عنها ، والمعلم الذي يوبخ طلابه عند اﻷخطاء لايساعدهم على تجاوز تلك اﻷخطاء ، ويكرس فيهم الهزائم النفسية ، فيلجؤون إلى استخدام وسائل غير نظيفة ، للهروب من التوبيخ واللوم ، نحن بحاجة إلى معلم يدرب طلابه على الاعتراف باﻷخطاء ، والاستفادة منها ، للوصول إلى الصواب ، إيمانا من ذلك المعلم بأن اﻹفادة من اﻷخطاء قد تكون أحيانا أفضل من اﻹفادة من المحاولات الصحيحة ، ليخرج الطالب إلى الحياة ، وقد تربى على الاعتراف باﻷخطاء ، وتقديم الاعتذار بقوة وشجاعة وثقة ...!!!
5 - نشر ثقافة الاعتذار .
اﻷمة الحية الحضارية الواعية هي اﻷمة التي تعيش مع ظروفها بواقعية ، ولاتعيش بنرجسية مخادعة ، فتمنح اﻵخرين حقوقهم ، وتقدم واجب الاعتذار لهم ، وتنشر ثقافة الاعتذار بين اﻷفراد والمجتمعات ، وتكرم ذوي الاعتراف باﻷخطاء والاعتذار عنها ، أما اﻷمة التي تنشر ثقافة الخوف ، والرعب ، والملاحقات ، والمساءلات ، فإنها تنشر ثقافة الكذب ، وعدم الاعتراف باﻷخطاء ، وعدم الاعتذار ، وعدم التسامح ، واﻷنانية ، ونحو ذلك ، ﻷن قيمة الاعتذار تولد مع الطفل في بيته ، وتترعرع في مدرسته ، وتزهر في مجتمعه ، فإما أن تغتال في مهدها وشبابها ، أو تنمو ، فتثمر في المدارس والجامعات والمجتمعات ....!!!!
6 - نماذج من اﻷخطاء .
آثار اﻷخطاء تكمن فيما ينجم عنها ، ويترتب عليها مع الدين والنفس ، أو مع اﻵخرين ، ومن اﻷخطاء سوء الفهم ، والفهم السيئ ، والتفسير الخاطئ ، والخطأ في التفسير ، وسوء الظن ، ومحاكمة اﻵخرين بمستوى موحد ، وعدم الاعتراف باﻷخطاء ، والاعتراف بها دون اعتذار ، والتمادي باﻷخطاء ، ونحو ذلك ...
7 - آثار الاعتذار .
يترتب على الاعتذار سلامة القلب من أمراضه ، كالحقد ، والحسد ، والكراهية ، والبغضاء ، كما يترتب عليه صفاء المودة والتآزر والتعاون ، وإنقاذ الضمير من تأنيبه ولومه وعذاباته ، وتحقيق العدالة مع النفس ومع اﻵخرين ، كما يترتب عليه المكاشفة والمصارحة والانفتاح والواقعية ، وقوة الشخصية والشجاعة اﻷدبية والمواجهة والثناء والتقدير والمثوبة من الله تعالى .....
المشرف التربوي : عبدالعزيز بن محمد المقوشي .
إدارة تعليم محافظة البكيرية .