العلماء الذيندرسوا سلوك الحيوان يعرفون أن بعض أفراد من أنواع الحيوان تخاطر أحيانا وتضحي ولوبحياتها من أجل غرض واضح هو إنقاذ الأعضاء الأخرى أو النوع إجمالا. فأفراد النمل الأبيض أو النمل الذى ينتمى إلى فئة الجنود للمعركة عندما يتم مهاجمة المستعمرة، يخاطرون بأنفسهم حتى الموت. وأنماط مثل هذه السلوكيات لدى الحشرات الاجتماعيةهي فطرية أكثر من كونها متعلمة. وعندما أقرأ في موقف النملة التي قالت (.... يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (النمل :18) يتبادر إلى ذهني الخوف على الآخرين من النمل فتنبههم لخطر محدق عندما لا يشعر بهم جُند سليمان عن غير شعور منهم، فيتبسم سليمانu من قولها. الشاهد هنا أنها آثرت الآخرين على نفسها فنبهتهم إلى خطر تحطيمهم، ولم تقل هيا بنا جميعاً ندخل مساكننا.
وفي عالم النحل وما أدراك بمملكة النحل فعندما يعتدى المتطفلون على خلاياالنحل، فإن النحل يهاجم رغم أن في ذلك هلاكا له. فالحرس اليقظ الذي يذود عن حماه بحياته، فتراه واقفًا متربصاً متراصاً طول وقته على مداخِل هذه القلعة الحصينة دون ملل أو كلل، متحفزاً ينقض بشجاعة وجسارة فائقة على كل من تسول له نفسه أن يمد يده إليها أو أن يقترب منها، بل الأعجب أن تلك النحلة التي تلسعك قد تموت في الحال مُضحية بحياتها في سبيل أداء رسالتها، باذلة من أجل ذلك ثمنًا باهظًا لا تنتظر بعده من أحد أي شكر أو ثناء.
وتحمى الطيور صغارها أحيانا بالتظاهر بأنها جرحت لتغرى المفترسين بالابتعاد عن العش والاتجاه نحوها. وتحقق طيور أخرى نفس الهدف بإصدار أصوات لجذب المفترسين والابتعاد عن العش. فعندما يرى طائر أبو الحنا صقراً يتقدم ، فإنه يطلق استغاثة تحذير لكل أعضاء السرب ليدفعهم إلى البحث عن الملجأ. واستغاثة التحذير هذه قائمة على نزعة فطرية غير مكتسبة فجميع طيور أبو الحناتطلق هذه الصيحة عند الخطر، وتفعل ذلك ولو كانت في عزلة تامة عن باقيرفاقها. وليس من شك في أن هذا التحذير يستفيد منه طيور أبو الحنا حيث يختبئ،بينما يضيع الطائر الذى أطلق الصرخة نفسه في خطر عظيم من خلال زيادة احتمال أن يكتشف الصقر مكانه.وهكذا يقوم هذا الطائر بدور البطل بدلا من التسلل بهدوء بعيداًوترك رفاقه يواجهون مصيرهم.
وفي عالمالثدييات ، هناك مثال هو ما يحدث عندما تلمع الرقعة البيضاء الموجودة على كفل الظبى أو يقفز بطريقة لا تدل على الرشاقة المعهودةفيه كإشارة لباقى زملائه من القطيع بأن المفترس قريب. وبينما يستفيد من هذه الإشارات القطيع بأكمله ، فمن المحتمل أن تعيق هذه الإشارات الظبى أو تسترعى انتباه الحيوان المهاجم الذى قد يسمع أو يرى إشارة التحذير ، وهكذا يزيد من احتمال أن يصبح الحيوان الذى يصدر الإشارة هدفا لهجوم المفترس ليفتدي بنفسه بقية القطيع.
وتزودناالشمبانزي بمثال آخر على سلوك المساعدة عندما تصدر إشارة إلى باقي أعضاء الجماعة بأنها اكتشفت مصدرا للطعام. فالشمبانزي بإصدارها هذه الإشارة إما تعرض نفسها للخطر ، أو على الأقل تشرك الآخرينفى الطعام الذى اكتشفته هى.
عالم مليء بالأسرار والجمال السلوكي في التضحية والإيثار من أجل حياة الآخرين ، وليس المطلوب سوى أن تتأمل نفسك ما الذي يمكن أن تقدمه في عالم التطوع ولو ساعة في اليوم من أجل إسعاد الأخرين ((فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ...)) ((وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)) .
د . رضا عريضة
مستشار أكاديمي بجامعة الإمام محمد بن سعود